مع تفشي فيروس كورونا في أوروبا، وارتفاع أعداد المصابين بالآلاف يوميّاً، أُجبر الملايين على ملازمة بيوتهم التزاماً بسياسة «التباعد الاجتماعي»، حفاظاً على صحّتهم من جهة، ولتجنّب انهيار المنظومة الصحية في بلدانهم من جهةٍ أخرى. لكن الأخيرة، ليست المتأثر الوحيد بالفيروس وتداعياته، إذ أظهرت الأيّام الماضية أن الفيروس «ضرب» أيضاً شبكة الإنترنت!وقد يكون المثال الأبرز لـ«معاناة» الشبكة، هو حال الإنترنت في مدينة ميلانو، عاصمة اقليم لومبارديا، حيث تصل حركة مرور الإنترنت (Internet Traffic) إلى أرقامٍ قياسيّةٍ يوميّاً، بسبب المستخدمين المحجوزين في بيوتهم. وفي هذا السياق، سجّل «milan internet exchange» حركة مرورٍ وصلت إلى 1.2 Tbps (تيرابيت في الثانية)، في آذار الجاري، في مقابل 0.8 Tbps قبل أزمة «كورونا»، بزيادة بلغت نحو 50 في المئة تقريباً.
أسئلةُ كثيرةٌ تطرح: لماذا تتأثر شبكة الإنترنت في «زمن الكورونا» مع وجود معظم المستخدمين في بيوتهم؟ ما هي الحلول المعتمدة حاليّاً لتخفيف حركة المرور؟ وأخيراً، ماذا يتوقّع مستخدمو الإنترنت في لبنان؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، يجب أن نذكر بعض الخدمات ذات «الوزن الأكبر» على سِعة الشبكة، ومنها على سبيل المثال:
- خدمة الـ video-on-demand، أو «المشاهدة عبر الطلب» والمتوفرة للمشتركين عبر بعض مزوّدي الخدمات، كـ«نتفليكس» و«أمازون».
- خدمة الـ video conferencing المتوفرة عبر تطبيقات «سكايب» و«مايكروسوفت تيمز» و«زووم»، والتي تتيح للمستخدمين عقد اللقاءات والتعليم عبر الإنترنت.
والفارق بين هذه الخدمات وغيرها، من ناحية «الثقل» على سِعة الشبكة، شاسع. فعلى سبيل المثال، مشاهدة فيلمٍ لمدّة ساعةٍ واحدة فقط عبر «نتفليكس» أو متابعة ساعة من الفيديو على «يوتيوب»، قد توازي استهلاك شهر كامل من رسائل «واتساب» لمستخدمٍ عادي. ومع وجود كل المقيمين في منازلهم، زاد الطلب على هاتين الخدمتين بشكلٍ قياسي، مع ما تشكّله هاتان الخدمتان من ثقل على الشبكة. (شهد عدد المشتركين بـ«نتفليكس» في أوروبا ارتفاعاً صاروخياً هذا الشهر).
أضف إلى ذلك، أن عشرات آلاف الموظفين في الاقليم يُنجزون أعمالهم من بيوتهم، في ما يعرف بالـ«smart working»، ويعقدون اجتماعات عبر الانترنت، فيما يتابع أكثر من 300 ألف تلميذٍ أيضاً دراستهم من بيوتهم.
وبالتالي، فاعتماد الجميع صغاراً وكباراً، على الإنترنت بشكلٍ أساسي لمتابعة حياتهم اليومية يضع الشبكة أمام مأزقٍ لم تُصمّم لمواجهته أساساً، إذ أنه لدى تصميم الشبكة، وتقدير سِعتها المطلوبة في مدينةٍ ما، يأخذ المهندسون في الحسبان نواحي عدة، أهمها عدد كثافة السكان والـ geotype (النوع الجغرافي لكل جزءٍ من المدينة، إن كان تجمّعاً جامعيّاً أو سكنيّاً أو حتى قروياً). كما يتم تقدير - بطرقٍ علميّةٍ - كم من الناس يقضي وقته بعيداً عن الإنترنت، في المطاعم والحانات، مثلاً، لتفادي إنشاء شبكة تكون أكبر سِعةٍ مما ينبغي، وبالتالي تجنّب هدر ملايين الدولارات.
وفي ما يخص الحلول المتخذة للتخفيف من حدّة تأثر الشبكة في أوروبا، اليوم، عمد بعض مزوّدي الخدمات، كـ«نتفليكس»، إلى خفض جودة بث الفيديو لكل مشتركٍ بهدف خدمة العدد الأكبر من المشتركين بالسِّعة المتوفّرة حاليّاً، ولو بجودةٍ أقل. إلا أن ذلك لن يخفّف من معاناة الشبكة.
لذلك، على مستخدمي الإنترنت في لبنان، كما في كل العالم، توقّع أيَّ بطءٍ في الخدمة وتفهّمها، وخصوصاً عند مشاهدة الفيديو، طالما أن الحجر المنزلي مفروض.
بالطبع، فإن أياً من شركات الاتصالات حول العالم لم تتصور السيناريو الذي نعيشه اليوم. وهو واقعٌ حثّ بعضها، كـ«فورايزن» في الولايات المتحدة، على البدء بالتحضير لمرحلة «ما بعد كورونا»، بتخصيص 500 مليون دولار لتهيئة شبكة الإنترنت لمواجهة أي «كورونا» جديد محتمل. ومن المتوقع أن يترك هذا الحدث أثراً كبيراً في عملية تصميم شبكة الإنترنت مستقبلاً، ليأخذ في الحسبان سيناريو جديداً، ربم يُطلَق عليه اسم «كورونا»، لتصميم شبكة قادرة على مواجهة أي فيروس جديد.

* باحث وأستاذ محاضر في هندسة المعلومات والاتصالات - جامعة بوليتكنيكو دي ميلانو (إيطاليا)