أتى انتشار فيروس "كورونا" في أميركا اللاتينية ليعمّق حالة عدم الاستقرار التي تعيشها بلدان القارة الجنوبية بسبب التحديات والأزمات السياسية والاقتصادية المتتالية، ويغيّر أولويات الحكومات. في تشيلي مثلاً، قررت السلطات تأجيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية، الذي كان مقرراً عقده في 26 نيسان المقبل لمراجعة دستور البلاد، تلبية لمطالب التظاهرات الشعبية الغاضبة التي شهدتها البلاد منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.قرار التأجيل جاء عقب جلسة للبرلمان، انتهت بإرجاء الاستفتاء حتى 25 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وانصبّ في إطار التدابير الاحترازية التي تتخذها البلاد، لتجنب تفشّي الفيروس. وكان الرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا، قد أعلن في وقتٍ سابق حالة كوارث وطنية في أنحاء البلاد، وأعطى حكومته صلاحيات واسعة النطاق لتقييد حرية التنقل، وضمان توفير إمدادات المواد الغذائية، والخدمات الأساسية، قائلاً إن سريان حالة الطوارئ "سيستمر لمدة 90 يوماً".
كذلك الأمر بالنسبة إلى بوليفيا، التي أجّلت المحكمة الانتخابية فيها موعد الانتخابات التي كانت مقررة في شهر أيار/ مايو المقبل. ولم تحدد المحكمة مدة التأجيل، بل تركتها لأجلٍ غير مسمّى.
أما في فنزويلا، التي سجلت في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة 10 إصابات جديدة بالفيروس، ليبلغ العدد الكلي للمصابين 129 حالة وعدد الوفيات 3، فإن الخلاف السياسي القائم بين حكومة الرئيس نيكولاس مادورو وزعيم المعارضة المدعوم أميركياً خوان غوايدو، يؤثر في مسار مكافحة الفيروس بشكل جدي، خاصة في ظل المحاولات الأميركية لاستغلال الوباء في تأجيج الصراع الفنزويلي الداخلي، وتضييق الخناق اقتصادياً على كاراكاس. إلا أن ذلك لم يعق، حتّى الآن، الانتخابات المقررة في شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، إذ لم يتحدث المسؤولون الفنزويليون عن أي إجراء بشأن إلغاء الانتخابات البرلمانية هذا العام، على أمل انتهاء أزمة الفيروس وعودة الحياة إلى طبيعتها، قبل ذلك.
وفي الأرجنتين، تسبّب فيروس كورونا في تأجيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن الديون، بعدما كانت بوينس آيرس قد بدأت خطة تفاوض مع الصندوق في شأن مبلغ 57 مليار دولار الذي اقترضته عام 2018، للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد. وتسعى الحكومة الأرجنتينية إلى الاقتراب من صفقة في نهاية الشهر الحالي، إلا أن خبراء مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس" للدراسات الاقتصادية، كانوا قد رجّحوا قبل أيام عدم تدخل صندوق النقد الدولي حتى العام المقبل.
بالنسبة إلى البرازيل، أكبر البلدان في القارة اللاتينية، وأكثرها تأثراً من حيث عدد المصابين بالفيروس، يبدو أن الوضع سيزداد سواءً، خاصة في ظل استخفاف الرئيس جايير بولسونارو بـ"كوفيد 19"، الأمر الذي خلّف ردود فعل غاضبة من البرازيليين الذين اعتمدوا سياسة "نقر الطناجر" من على شرفاتهم في الأيام القليلة الماضية، ومطالبتهم برحيل الرئيس اليميني. وحتى اليوم، سجلت البرازيل 4256 حالة إصابة بالفيروس، فيما ارتفع عدد الوفيات إلى 136 حالة، في أكبر حصيلها تسجلها دولة لاتينية.
أجّلت بوليفيا موعد الانتخابات التي كانت مقررة في شهر أيار المقبل


وكانت البرازيل قد قلّصت توقعاتها للنمو في 2020 من 2.10% إلى 0.02%، الأسبوع الماضي، بسبب الفيروس. ورغم ارتفاع الإصابات والوفيات، إلا أن بولسونارو، الذي ينتقد إغلاق المدارس والعزل المنزلي للوقاية من "كورونا"، قرر أمس التنزّه في شوارع برازيليا وتناول أطراف الحديث مع بعض السكان، ليعارض توصيات وزارة الصحة بتجنّب التجمهر، ونشر على حسابه على "تويتر" فيديو يظهر فيه وهو مختلط مع مؤيدين له في برازيليا.
وفي خطوة لافتة أمس، حذف "تويتر" مقطعين مصوّرين للرئيس البرازيلي، شكك فيهما في جدوى الإجراءات المتخذة لمنع تفشي "كورونا"، لا سيما الحجر الصحي. وأفاد "تويتر" في بيان صادر عنه بأنه "وسّع قواعده المتعلقة بإدارة المحتوى، لتطال المعلومات الصحية التي تتعارض مع معلومات المصادر الرسمية، وتلك التي قد تعرّض الأشخاص لخطر العدوى بالفيروس".
إلى ذلك، أكدت كوبا، أمس، ارتفاع عدد المصابين بـ"كورونا" إلى 139 إصابة، من بينها 114 حالة لكوبيين و25 لأجانب، فيما أكدت المكسيك حصول 145 إصابة جديدة، إلى جانب أربع حالات وفاة جديدة خلال الساعات الـ24 الماضية، ما رفع عدد الإصابات إلى 993 بينما ازداد عدد الوفيات إلى 20 حالة.
بالتوازي، دخلت اليوم سفينة سياحية تفشَّى "كورونا" على متنها إلى البحر الكاريبي متوجّهة إلى الولايات المتحدة بعد عبورها قناة بنما، لكن تبقى وجهتها غير مؤكدة، بعد أن قالت الشركة المشغلة لها إنها لا تزال تبحث عن ميناء يسمح برسوّها.
وعبرت سفينة شركة "هولاند أميركا لاين" قناة بنما من ناحية المحيط الهادي ليلاً. وتبعتها بعد نحو ساعتين السفينة الشقيقة "روتردام" التي أرسلتها الشركة من سان دييغو لنقل المسافرين غير المصابين (من جملة 1800 راكب) على متنها.
وقالت نائبة مدير قناة بنما إيليا دي ماروتا على "تويتر": "لقد كان يوما استثنائياً"، وذلك عقب تراجع السلطات عن قرار منع مرور السفينة، وسماحها للسفينة بالانتقال من المحيط الهادئ إلى منطقة بحر الكاريبي لأسباب إنسانية.
من جهته، أقرّ رئيس شركة "هولاند أميركا لاين"، المشغلة للسفينة أورلاندو آشفورد، بأن البحث ما زال جارياً عن ميناء بعدما أعلن رئيس بلدية فورت لودرديل ـــ الوجهة الأساسية للسفينة ـــ أنه لن يكون بإمكان المدينة الواقعة في فلوريدا المخاطرة باستقبال الركاب، الذين توفي أربعة منهم بـ"كوفيد 19".