رغم الأزمة العالمية التي ولّدها فيروس كورونا وتحول السياسات الداخلية والخارجية لمعظم الدول إلى مكافحة هذا الوباء دون سواه، خرجت الولايات المتحدة الأميركية بقرار تصنيف الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، زعيماً لـ«منظمة إجرامية» مسؤولة عن ترويج المخدّرات بالشراكة مع منظمة «فارك» الكولومبية، مقابل ما سمّته دعم نظامه وتسليح القوات العسكرية الفنزويلية. القرار الذي أعلنه وزير العدل الأميركي، وليام بار، يشمل أيضاً وزراء وقادة عسكريين فنزويليين مقرّبين جداً من مادورو (وزير الدفاع ورئيس محكمة العدل العليا ورئيس الجمعية التأسيسية الوطنية ووزير الصناعة وآخرون)، وذلك في خطوة تشي بحجم التصعيد وقطع كل سبل الحلول السياسية في كاراكاس، إذ رصدت واشنطن 15 مليون دولار كجائزة لمن يكشف عن مكان مادورو بغية اعتقاله ومحاكمته في الأراضي الأميركية. يأتي التصعيد تجاه فنزويلا في ذروة تفشي كورونا في الولايات المتحدة وازدياد أعداد المصابين بصورة دراماتيكية، الأمر الذي يثير أسئلة غير معتادة عن الهدف من القرار في هذا التوقيت الدقيق الذي تمر به دول العالم، وإمكانية استنساخ تجربة بَنَما قبل ثلاثين عاماً عند اتهام الرئيس آنذاك مانويل نورييغا بالتهمة نفسها ورصد بدل مالي لمن يشي بمكانه، وهو سيناريو أدخل البلاد حينذاك في اعتداء مباشر نفّذه الجيش الأميركي ما أسقط نورييغا عسكرياً بعد ارتكاب مجازر أودت بخمسة آلاف مدني حسب الإحصاءات الحيادية. لكن هل ينطبق مثال بَنَما على فنزويلا، وهل قرار واشنطن هو الخطوة الأولى للدخول في حرب مباشرة مع الجيش الفنزويلي بعد أعوام من محاولة الإطاحة بمادورو؟
في الإجابة على السؤال الأول، يبدو أن إدارة دونالد ترامب قد وصلت إلى حائط مسدود في رهانها على المعارضة الداخلية لإسقاط الحكم في كاراكاس، كما أخفقت في إقناع المؤسسة العسكرية البوليفارية بالتخلي عن مادورو مقابل تشريع أي انقلاب عسكري ودعمه على غرار التجربة البوليفية، فالأميركيون يرون أن بقاء النظام الفنزويلي «تهديد استراتيجي» وخنجر في خاصرة الولايات المتحدة الخلفية، وأن نزاعها المقبل مع الصين يفترض حسم الملف اللاتيني برمته وإبعاد أعدائها عن أي قواعد متقدمة قد تشكل نقطة ضعف قاتلة، خاصة أن الصراع البارد حتى الآن بين تكتل الشرق بقيادة الصين وروسيا، وبين الولايات المتحدة وحلفائها، يبدو قابلاً للتصعيد وخصوصاً بعد التغييرات الاقتصادية والسياسية التي قد تتولّد بعد اجتياح كورونا وانكماش الاقتصاد العالمي وتفكّك التحالفات التي قد تفرضها النتائج الكارثية لتفشي الفيروس.
يفرض النزاع المقبل مع الصين «حسم» الملف اللاتيني برمّته


هكذا، إن «إعلان الحرب»، كما وصفته القيادة الفنزويلية، يأتي كخطوة «مجنونة» ورهان غير محسوب. فكاراكاس التي وصفت الاتهامات الأميركية بأنها لا تستند إلى أي دليل لجأت إلى عملية بتر داخلية عبر الادّعاء على زعيم المعارضة، خوان غوايدو، واتهامه بالتعاون مع الخارج لتحقيق انقلاب داخلي، كما رأت القيادة البوليفارية أن واشنطن تسعى إلى تشديد الضغوط على البلاد عبر فرض مزيد من العقوبات تطاول صحة المواطنين في ظل الأزمة الحالية، كي يتسنّى لها التدخل العسكري بعد إضعاف الجبهة الداخلية. أما مادورو فوصف ترامب بـ«البائس»، قائلاً خلال اجتماع لـ«مجلس مكافحة فيروس كورونا» في القصر الرئاسي أمس: «أطلقت حكومة ترامب سلسلة من الاتهامات الباطلة في تعصّب شديد للغاية، وهو عمل بائس جداً... تماماً مثل رعاة البقر العنصريين في القرن التاسع عشر؛ وضعوا جوائز على الثوار المستعدّين للقتال. أنت بائس يا دونالد ترامب»، مضيفاً: «إنه (ترامب) ليس عنصرياً ومتعالياً فحسب، بل يدير العلاقات الدولية مثل طاغية».
أما السؤال الثاني، الذي يبدو الأهم فهو (هل تستطيع الولايات المتحدة تحقيق ما عجزت عنه خلال السنوات الماضية؟)، فإجابته أن الحكومة الفنزويلية التي تحدّت العقوبات الأميركية السابقة وكل برامجها العدائية قد حصلت على ضمانات من حلفائها الذين ساندوها في الأزمات المتتالية بأن الموقف لم يتغير، وأن أي مغامرة عسكرية أميركية هنا ستكون اعتداء على المحور بأكمله، وقد تكون الشرارة التي تشعل الحرب الصامتة وتغير المعادلات العسكرية والاقتصادية ليس في الكاريبي فقط بل في العالم بأسره.



ردود أولية... وزيارة مادورو إلى موسكو قائمة


بينما قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ​ديمتري بيسكوف​، إن الكرملين​ لم يطلع بعد على التصريحات الأميركية بمقاضاة ​نيكولاس مادورو​ بتهمة تهريب المخدّرات وإعلان مكافأة للقبض عليه، استنكر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، «الاتهامات الخاوية للرئيس الفنزيلي»، مؤكداً في حديث أمس، أن «القوانين الدولية لا تجيز لأميركا استغلال قوانينها القضائية لحياكة المؤامرات والانقلابات والتدخل في شؤون الدول المستقلة، والأسوأ من ذلك أنها تجيز لنفسها ملاحقة رئيس دولة والقبض عليه».
من جهة أخرى، لا تزال الزيارة المقرّرة للرئيس الفنزويلي إلى العاصمة الروسية موسكو، للاحتفال بـ«الذكرى الـ75 للنصر»، قائمة، كما صرّح السفير الروسي لدى كاراكاس، سيرغي ميليك باغداساروف، في وقت سابق. وقال باغداساروف: «نعم، أرسل الرئيس فلاديمير بوتين له دعوة. قبلها نيكولاس مادورو بامتنان والفنزويليون يخطّطون لمثل هذه الزيارة»، من دون مزيد من التفاصيل خاصة بعد تفشي كورونا. يشار إلى أن السفارة الروسية أعلنت أنها سلّمت فنزويلا «بشكل استباقي مجموعة من اختبارات فيروس كورونا... لإجراء عشرة آلاف اختبار. تم تسليم الدفعة الأولى في 23 مارس (آذار)».
(الأخبار)