قفز عدّاد المصابين الإسرائيليين جراء فيروس «كورونا» المستجد إلى مئة وتسعة، فيما أعداد المحجورين في منازلهم فاقت الـ 150 ألفاً (ليس كل المحجورين مسجلين في وزارة الصحة). ومن بين هؤلاء ضباط ومسؤولون كبار وجنود. فيما ذكرت إذاعة الجيش أن «المصاب الرقم 71 بالفيروس كان في مؤتمر في مدينة إيلات، حضره رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي وقائد شعبة القوى البشرية موطي ألموز»، من دون أن تشير الى ما إذا كانا يلزمان الحجر الصحي.ورغم كل الإجراءات المتخذة لمواجهة الفيروس، فإن إسرائيل «لا تزال في المرحلة التمهيدية للمواجهة وأمام قمة جبل الجليد فحسب»، بحسب الاختصاصي في علم التخمين وإدارة المخاطر المالية ياسر عوّاد (من مدينة طمرة في الجليل) في اتصال مع «الأخبار». وأشار الى أن «الاقتصاد الإسرائيلي سوق حرة ومفتوحة بقدر عال، وهذا سبب انكشافه لأيّ تغيّرات وأزمات مالية عالمية». ورغم أنه أثبت قدرته عام 2008 على الخروج من الأزمة الماليّة العالميّة من دون أي تأثير بسبب مزاياه في التأقلم مع المتغيرات، فإن آثار أزمة وباء «كورونا» بدأت تظهر على قطاعات معيّنة فيه. وأوضح عواد أن هناك «على المدى القصير تغيرات بدأت انعكاساتها في الظهور بتراجع في مؤشرات الأسهم والانخفاض بأكثر من 10 في المئة في بورصة تل أبيب. وإغلاق شركات السياحة والسفر وبعض شركات التصدير جواً وبحراً وبراً». وتداعيات ذلك انعكست في أكثر من مجال، ولا سيّما في «موجة فصل العمال التي ظهرت بداية في شركة إل ــــ عال (شركة الطيران الإسرائيلية) التي تشغل 650 طياراً، فصلت حتى الآن 600 منهم (عطلة غير مدفوعة الأجر)». أضف الى ذلك قطاع الفنادق الذي شهد، أمس، بحسب القناة السابعة، إغلاق مئة فندق، فيما يتوقع إغلاق مئة أخرى يوم الأحد إذا ما استمر تفشي الوباء. وبحسب عواد، فإن هذا القطاع «سيشهد فصلاً جماعياً للموظفين في الأيام القريبة. كما أن الأزمة المستجدة خلّفت تراجعاً حاداً في مدخولات أصحاب المنتجات التي تعتبر من الكماليات وارتفاعاً حاداً بالمدخولات التي مصدرها المواد التموينية ــــ أو منتوجات ذات الصلة بصراع البقاء». ويلفت الى أنه «سُحبت في الأيام الأخيرة أكثر من 10 مليارات شيكل (1 دولار يساوي 3.5 شيكل) من مؤشرات الأسهم في البورصة»، موضحاً أن «جزءاً منها متعلق بتحويل الاستثمار من الأسهم الى خدمات مصرفية أخرى مثل الاستثمار في اليورو والذهب والدولار، ما أدى إلى تراجع حاد في مؤشرات البورصة».
أما الأهم فيرتبط بما سيحدث على المديين المتوسط والطويل. إذ إنه «في السنوات الأخيرة ارتفع ميزان المدفوعات بين الصين وإسرائيل بسبب استيراد الكثير من المواد الخام والمنتجات الاستهلاكية من الصين. لذا الأمور مرهونة بعودة الصين الى سيرورة إنتاجها بشكل أسرع حتى لا تشعر السوق الإسرائيلية بأي نقص في هذه المواد». وأشار الى أن «الحكومة وضعت صندوقاً يتضمن 3 مليارات دولار لمساعدة أرباب العمل وأصحاب الشركات المتضررة لعبور الأزمة، وأتوقع أن تضخ ميزانيات أخرى تصل نهاية العام الى 10 مليارات دولار».
الى ذلك، وبالتوازي مع تسارع تفشي الفيروس، اتخذت وزارة الصحة الإسرائيلية سلسلة إجراءات ارتبطت بأمرين أساسيين: الاقتصاد والأمن. وهو ما أضاف بعداً جديداً لحالة الرعب المنتشرة بين الإسرائيليين. فإلى الآن لم تعلّق حركة القطارات والحافلات (الأخيرة تضم آلاف الخطوط الموزعة في فلسطين المحتلة)، ولم يُعلّق الدوام الدراسي إلا ظهر أمس، إثر مناشدات مسؤولين في قطاع التعليم. إضافة إلى أن أحد العائدين من فرنسا، قبل أيام، كتب على صفحته في «فايسبوك» أنه «لدى وصولنا إلى مطار بن غوريون، كنت أتوقع أن تتواصل إجراءات الفحص والأسئلة لساعات، غير أنني فوجئت ــــ رغم كل الإجراءات التي أعلنتها وزارة الصحة ــــ بأن أحداً لم يوجّه لنا سؤالاً، بل إنها كانت المرّة الأسرع التي نعود فيها إلى بيوتنا... وبواسطة القطار».
وحتى صباح أمس، علّقت فقط حركة ثلاثة قطارات، أحدها ينطلق من ديمونا ــــ بئر السبع، وآخر من القدس، والثالث من اللد. والسبب بحسب بيان «شركة قطارات إسرائيل» أن «عدد مفتشي القطارات المعزولين صحياً ارتفع إلى 27، أي حوالي عشرة في المئة من مجمل مفتشي القطارات». أي أن السبب ليس لحصر تفشي الوباء، وإنما لنقص الموظفين.
بعض الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة ومكتب رئاسة الوزراء، أظهرت التحديات التي تواجه الجبهة الداخلية، مثل استدعاء العديد من جنود الاحتياط للمساعدة في التوعية حول الفيروس في صفوف الجنود، والتأهب لمنع انتشاره في معسكرات الجيش المنتشرة في أنحاء فلسطين المحتلة. ووفق صحيفة «إسرائيل اليوم»، فإن «هناك توجهاً للاستعانة بجنود الاحتياط ليس داخل الجهاز الأمني أو العسكري فقط، بل أيضاً في القطاعات المدنية أيضاً، إذ ستشرف الجبهة الداخلية على معالجة تداعيات الفيروس على المدنيين والحد من انتشاره».
أمّا القطاع الصحي الذي يعاني أصلاً من نقصٍ في الميزانيات بسبب الجمود السياسي المستمر منذ نيسان الماضي، ما ينعكس على قدرة مستشفياته على استيعاب المرضى، فقد وضعه الكائن المجهري أمام تحديات جديدة في ظل الارتفاع المتواصل في الإصابات؛ فازدادت الضغوط لناحية فحص المئات يومياً وأخذ العيّنات المخبرية ممن يلتزمون الحجر الصحي المنزلي، فضلاً عن فرض الحجر الصحي المنزلي على 900 من الطواقم الطبية، جزء منهم بسبب سفرهم الى الخارج، وجزء بسبب مخالطتهم لمصابين بالفيروس خلال العمل في المستشفيات.
ورغم أن الحالات التي سُجّلت في الضفة الغربية المحتلة أقل بثلاثة أضعاف منها في إسرائيل، استغلت الأخيرة الأزمة الصحية المستجدة كحجة إضافية لتشديد الطوق الأمني والقيود المفروضة على الضفة وقطاع غزة المحاصر.