محطّات قليلة هي التي يتحول فيها موقف عضو كنيست واحد إلى مستجدّ سياسي تسقط في ضوئه خيارات حكومية، ويرتسم على إثره مستقبل الوضع الداخلي في إسرائيل. لكن التوازنات الداخلية والانقسامات الحادة في كيان العدو حول أكثر من عنوان حوّلت الأرقام حتى الصغيرة منها إلى قياسات للوزن السياسي، وأضحى تبدّل موقف هذا النائب أو ذاك مؤشراً على تغيير في موازين القوى. فبعد تمرّد عضوين من كتلة «أزرق أبيض» على خيار تشكيل حكومة أقلية بدعم «القائمة العربية المشتركة» من خارجها، أدى إعلان رئيسة حزب «غيشر»، أورلي ليفي، أنها لن تؤيد حكومة تستند إلى دعم «المشتركة»، إلى تقليص فرص تشكيل هذه الحكومة برئاسة رئيس «أزرق أبيض»، بيني غانتس. وأوضحت ليفي أن التحالف مع «ميرتس» فُرض عليها وعلى رئيس «العمل»، عمير بيرتس، وتبلور بفعل عدد من العوامل، مؤكدة أنها من الآن فصاعداً لا ترى نفسها ملتزمة إياه.بالحسابات العددية، مع انضمام ليفي إلى المتمردين على خيار حكومة أقلية، تراجع المعسكر المناهض لنتنياهو من 62 إلى 59 عضو كنيست، وصار معارضو حكومة أقلية برئاسة غانتس 61 بعد انضمام المعارضين الثلاثة من المعسكر المضاد إلى تحالف نتنياهو (58 عضواً من أصل 120). مع ذلك، إن تبدل موقف ليفي كان خدعة بحقّ التحالف الذي انضمت إليه (نتيجة إدراكها أنها لن تتمكن من الفوز وحدها، برغم أنهم ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة حتى بالمعايير الإسرائيلية)، وكذلك بحقّ معسكر غانتس المناهض لنتنياهو الذي يفترض أنه حليف «تحالف العمل ـــ ميرتس»، ولجمهورهم الذين صوّت لهم على هذا الأساس. بهذا المعنى، تكون ليفي فازت بأصوات ينتمي جزء منها إلى اليسار (ميرتس) وبأصوات قاعدة شعبية تعارض بقاء نتنياهو، واستغلّت كل ذلك لانقلاب. عن ظروف هذا التحول، أشارت تقارير إعلامية إلى أن شقيق ليفي، جاكي، يبدو أنه صاحب دور، إذ شوهد في منزل نتنياهو الأمر الذي يؤشر على اتصالات عبره لإقناع شقيقته بهذا الموقف. وأضافت التقارير أن ما حصلت عليه ليفي هو دعم «الليكود» لترشيح والدها، وزير الخارجية الأسبق دافيد ليفي، لمنصب رئاسة الدولة، وبتوليها أحد المناصب الوزارية، يرجّح حتى الآن أنه وزارة الصحة.
في ضوء المستجدّات، يصير مفهوماً تكرار الرئيس الإسرائيلي، رؤوبين ريفلين، طرح خطته لتشكيل حكومة وحدة، كان قد قدّمها في أعقاب الانتخابات السابقة، وهذا ليس لأنه تزامن مع تسلمه النتائج الرسمية للانتخابات التي تكرّست بموجبها الأرقام المعلنة لكل من التكتلات، فقط، بل لأنه تزامن مع تراجع أسهم حكومة أقلية برئاسة غانتس. كما ارتفعت نتيجة ذلك، في نظر ريفلين، أسهم حكومة الوحدة، إن لم يحدث انضمام من المنشقّين إلى معسكر نتنياهو. وكانت خطة ريفلين، التي طرحها في أعقاب انتخابات أيلول/سبتمبر الماضي، الدعوة إلى حكومة وحدة يتولى رئاستها نتنياهو في التناوب الأول، مع توسيع صلاحيات القائم بأعمال رئيس الحكومة في حال تعذّر عليه مواصلة مهماته بسبب وضعه القضائي، وهكذا يواصل نتنياهو حمل صفة رئيس الحكومة والسكن في المنزل الرسمي للمنصب.
مع ذلك، عارض ريفلين موقف نتنياهو، ورأى أنه «في معادلة اليهودية والديمقراطية فإن جميع الأصوات تُحسب. ولا يوجد في إسرائيل أنصاف مواطنين»، في إشارة إلى أصوات الأعضاء العرب في الكنيست، وهو ما يتعارض في ظاهره مع موقف نتنياهو الذي رأى أن «كتلة اليسار (معسكر غانتس وتحالف العمل وغيشر وميرتس، إضافة إلى إسرائيل بيتنا) يضم 47 نائباً»، وأن «العرب ليسوا جزءاً من هذه المعادلة، وهذه إرادة الشعب». مع ذلك، يبدو أن هذا الموقف ليس إلا ضريبة كلامية يفرضها منصبه، فضلاً عن أنه لن يُغيِّر كثيراً في المعادلة.