هل باتت أزمة إسرائيل السياسية تهدّد مكوناتها وفئاتها الاجتماعية بعد التحذير من إمكان تحوّل السجالات والاتّهامات المتبادلة وكذلك التخوين إلى أعمال عنف يصعب تقدير مآلاتها؟ السؤال مشروع في ظلّ تأزم داخلي حاد يزيد التباينات وكذلك التناقضات في الهويات المختلفة للتركيب الاجتماعي الإسرائيلي الذي يبدو إلى الآن منيعاً ولا ينزلق إلى العنف و«الحرب الأهلية»، العبارة التي باتت متداولة في سياقات أزمة الانتخابات واللّاحسم فيها. قد تكون إسرائيل بعيدة عن حرب أهلية أو عنف داخلي، لكن ما هو مؤكّد أن إصرار رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، على البقاء، يُدخلها حالة تأزم تشبه مرحلة ما قبل اغتيال رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين عام 1995، على خلفية التخوين والصراع بين اليمين واليسار بشأن القضية الفلسطينية واتفاقية أوسلو، فهل يعيد التاريخ نفسه؟رئيس تحالف «أزرق أبيض»، بيني غانتس، مدفوعاً بعامل المصلحة الشخصية، حذّر من تبعات التأزم الذي من شأنه أن يفضي إلى العنف، واتّهم خصمه، نتنياهو، بالتسبّب فيه، قائلاً: «التحريض متفشٍّ في كلّ مكان، وأنت (نتنياهو) ما زلت صامتاً. لن أسمح لك ببثّ الكراهية وإحداث أول حرب أهلية حديثة (بين اليهود). الأجواء مقلقة للغاية». وأضاف غانتس أنه بناء على قرار الجمهور الإسرائيلي «قررتُ تشكيل حكومة قوية ومستقرّة تعالج ما بات لدى إسرائيل من كراهية وانقسام، ونضع حدّاً أخيراً لحقبة نتنياهو في السياسة». الواضح أن حملة نتنياهو الانتخابية، القائمة على الخشية على أمن إسرائيل في حال تولّي غانتس رئاسة الحكومة، تُلقي بظلال ثقيلة على الجمهور الموالي لنتنياهو، كما تنعكس في مطالبات الجمهور اليميني المتطرّف بالدعوة إلى التصفيات الجسدية، وهو ما شغل الإعلام العبري في الأيام الأخيرة على خلفية تلقّي غانتس وكبار زعماء كتلة وسط ــــ يسار تهديدات بالقتل، الأمر الذي دفع الأجهزة الأمنية إلى تعزيز إجراءات الحماية حول غانتس على نحو ملحوظ جداً.
واحد من عوامل «التحريض» والدعوة إلى أعمال عنف هو الربط بين ترؤس غانتس الحكومة وتعاظم التهديد الأمني الشخصي للإسرائيليين، الربط الذي اعتاد نتنياهو وأقطاب اليمين الحديث عنه، وزاد كثيراً في الأيام الماضية، بل ورد أمس على لسان وزير الأمن نفتالي بينت الذي يخشى من تبلور تسوية ما بين الكتل تكون على حسابه الخاص وفقدانه حقيبة الأمن التي تعدّ أداة تعبّد طريقه نحو هدف طموح، هو رئاسة الحكومة بعد انتهاء حقبة نتنياهو. وقال بينِت موجّهاً كلامه إلى قادة «أزرق أبيض» و«إسرائيل بيتنا»: «غانتس و(وزيرا الأمن السابقان) موشيه يعلون و(أفيغدور) ليبرمان يعرّضون أمن مواطني إسرائيل للخطر. أنا أتحدّث بوصفي وزيراً للأمن؛ وجود حكومة إسرائيلية تعتمد على أصوات القائمة العربية المشتركة خطر حقيقي وفوري على حياة المواطنين وجنود الجيش».
غانتس لنتنياهو: لن أسمح بحرب أهلية في إسرائيل


حديث بينت يتعلّق بسيناريو كشفت عنه صحيفة «هآرتس» ويجرى الإعداد له من وراء الكواليس، ولم يتّضح رغم كون شروطه متوفرة. وفق الصحيفة، تعزّزت فرضية تشكيل غانتس ائتلافاً يعتمد على أصوات «القائمة المشتركة» بعد تقارير أفادت أن يعلون، الذي عارض الفكرة، غيّر رأيه. وفقاً لـ«هآرتس»، ستصوّت «المشتركة» لمصلحة غانتس لمنصب رئيس الوزراء دون أعضاء الكنيست من حزب «بلد» الذين سيمتنعون عن التصويت. وإلى جانب أصوات «إسرائيل بيتنا»، يتلقّى غانتس 59 صوتاً، أي صوت واحد أكثر مما لدى نتنياهو من كتلة اليمين والأحزاب الحريدية، وهو 58 صوتاً، الأمر الذي يكفيه لتشكيل حكومة حتى من دون مشاركة «المشتركة» عبر التوزير، وإنما عبر مناصب في الكنيست وميزانيات الوسط العربي (فلسطينيو 48). الأهم أن يعلون وليبرمان ينويان المضي قدماً بهذا السيناريو ما دامت نتيجته إسقاط نتنياهو، توضح «هآرتس». وفي سياق هذه الفرضية، أعلن ليبرمان أمس شروطه الأساسية للانضمام إلى الائتلاف الحكومي المقبل، وكان اللافت خلوّها من ذكر «المشتركة» وإمكان دعمه الائتلاف المقبل، وهو الشرط البارز تقليدياً في أحاديثه السابقة، عندما كان يعلن رفضه الانضمام إلى ائتلاف يدعمه أحزاب فلسطينيي 48، بل جاءت الشروط مقتصرة على شؤون دينية واجتماعية، سارع غانتس إلى قبولها والمطالبة بضرورة المضي قدماً في أعقابها لتشكيل الحكومة.
هل يمكن لهذا السيناريو النجاح، وهل يَثبت ليبرمان على موقفه ويستطيع إخراج إسرائيل من أزمتها السياسية بلا تبعات سلبية؟ من ناحية نظرية، نعم، مع «لكن» كبيرة من ناحية عملية. من الواضح أن كتلة اليمين والأحزاب الدينية غير معنيين بإنجاح هذا السيناريو، وهم ثابتون في معارضة أي حكومة غير يمينية لا يرأسها نتنياهو نفسه إلى حدّ استخدام كل الأسلحة المتاحة وغير المعتادة، ومن بينها التحريض والتشويه والدعوة إلى العصيان ورفض إعطاء أي شرعية لحكومة تستند إلى «أصوات القائمة المشتركة الإرهابية» كما ورد على لسان وزير الخارحية من «الليكود»، إسرائيل كاتس، بعدما وصف الائتلاف المقبل من الآن بـ«حكومة سارقي الانتخابات وإرادة الأغلبية». وكان لافتاً تهديد نتنياهو غير المباشر بملايين الإسرائيليين الذين قال إنهم لن يسمحوا بسرقة الانتخابات، في تلميح إلى إمكان تحريك الشارع لمواجهة سيناريوات يجرى الإعداد لها للإطاحة به، إذ قال: «غانتس يتّحد مع مؤيدي الإرهاب في القائمة المشتركة في محاولة لإلغاء قرار الشعب. أصدقائي وأنا وملايين المواطنين الذين اختارونا لن نسمح لهذا أن يحدث».