تريد «أوبك»، وعلى رأسها السعودية، إمّا كلَّ شيء أو لا شيئاً على الإطلاق. بهذا «المنطق»، عُقدت على مدى اليومَين الماضيين محادثات هي الأسوأ في مقرّ المنظّمة في فيينا، اصطدمت برفض روسيا اقتطاعات قياسية في إنتاج النفط، كون مصالحها لا تتقاطع راهناً مع مصالح الكارتل الساعي إلى الحدّ من هبوط الأسعار المتأثرة بتداعيات فيروس «كورونا». زعزع المحادثات أنهى تحالف «أوبك+»، ودفع أسعار النفط إلى مستويات لم تشهدها منذ منتصف عام 2017.اصطدمت مساعي «منظمة الدول المصدّرة للنفط»، «أوبك»، إلى تعميق اقتطاعات إنتاج النفط بواقع 1.5 مليون برميل يومياً، ومدِّ أجلها لغاية نهاية العام الجاري، برفض روسي، أدّى، عملياً، إلى انهيار تحالف «أوبك+» بعد ثلاث سنوات على تشكّله. رفضٌ أحدث زلزالاً في الأسواق، وسط انهيار قياسي في أسعار النفط بـ10%، جَدّد المخاوف من شبح أزمة 2014، عندما تنافست كلّ من السعودية وروسيا على الحصص السوقية مع منتجي النفط الصخري في أميركا. الخطوة الروسية غير المتوقّعة من شأنها أن تضع الدول القائم اقتصادها على النفط تحت ضغوط هائلة، إلى جانب المحنة التي ستعانيها شركات النفط الصخري الأميركية، في وقت يترنّح فيه الاقتصاد العالمي بفعل تفشِّي فيروس «كورونا»، بينما ترى موسكو أنه لا يزال من المبكر جداً تقييم أثر الوباء.
يرى المحلّلون أن اجتماع فيينا، أمس، ليس سوى «أحد أهمّ الأيام في تاريخ أوبك الذي يمتدّ على 60 عاماً»، كونه أعاد الأمور إلى ما كانت عليه قبل تشكّل تحالف «أوبك+». الاجتماع «السيّئ جداً»، كما وصفه وزير الطاقة الإيراني بيجن زنغنة، سعى خلاله بعض أعضاء «أوبك» إلى الضغط على المنتجين المستقلّين بقيادة روسيا للانضمام إلى السياسة الجديدة، لكن لهذه الأخيرة حسابات مختلفة. وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، نعى التحالف بعدما أخفق في التوصّل إلى اتفاق في شأن خفض إضافي في الإنتاج يكبح انخفاض أسعار الخام المتأثّرة بانخفاض الطلب بفعل فيروس «كوفيد-19». وعقب مفاوضات طويلة وشاقّة، أعلن أنه «بدءاً من الأول من نيسان/ أبريل، وبالنظر إلى قرار اليوم، فإن أحداً - لا دول المنظمة ولا دول تحالف أوبك+ - لن يكون مضطرّاً إلى خفض الإنتاج». إعلانُ موت الاتفاق، على لسان نوفاك، ينهي العمل بالاتفاق الحالي لخفض الإنتاج في الربع الأول من العام الجاري، ما يعني أنه سيكون في وسع أعضاء «أوبك» والمنتجين من خارجها، نظرياً، الضخّ كما يحلو لهم في سوق مُتخمة أصلاً. وموسكو، التي وضعت توقّعاتها للموازنة استناداً إلى سعر 42.4 دولاراً للبرميل الواحد، تبدو في وضع مختلف تماماً، نظراً إلى عقود غاز طويلة الأجل وغير مرتبطة بأسعار النفط وقّعتها مع الصين. ما يهمّها، راهناً، هو أن تتضرّر صناعة النفط الصخري الأميركي الذي يسعى إلى منافستها في أوروبا. من هنا، فإن مصلحتها تقتضي، حالياً، الحفاظ على أسعار منخفضة نسبياً، وفق ما صرّح به الرئيس الروسي نهاية العام الماضي، ليعود ويذكّر قبل أيام بأن المستوى الحالي لأسعار النفط «مقبول»، على اعتبار أنه لا يزال فوق «42.2 دولاراً لبرميل برنت المستخدَم كمرجع لاحتساب الموازنة في إطار سياساتنا للاقتصاد الكلّي». كذلك، ترى كبرى شركات النفط الروسية أن أيّ برميل يُسحب من السوق يعني تراجعاً في الإيرادات المالية، ومخاطر خسارة حصص من السوق لمصلحة الولايات المتحدة التي تُغرق العالم بنفطها.
وزير الطاقة الروسي: ابتداءً من الشهر المقبل أحدٌ لن يكون مضطراً إلى خفض الإنتاج


وستكون لانهيار التحالف تبعات أكبر تأثيراً، إذ كانت السعودية وروسيا تشتغلان، من وراء محادثات النفط، على بناء شراكة سياسية أوسع نطاقاً في خلال السنوات القليلة الماضية. ويرى مؤسّس «رابيدان إنرجي غروب»، بوب مكنالي، أن «رفض روسيا دعم تخفيضات الإمداد الطارئة، سيقوّض على نحو فعّال وخطير قدرة أوبك+ على لعب دور المنتج الذي يضبط استقرار أسعار النفط»، و«سيمزّق على نحو خطير التقارب الروسي - السعودي المالي والسياسي الناشئ. النتيجة ستكون زيادة في تقلّب أسعار النفط والتقلّبات الجيوسياسية». إلا أن المحادثات انهارت بعدما قدّمت «أوبك»، عملياً، مهلة أخيرة لموسكو أول من أمس، إذ أتاحت لها الاختيار بين قبول اتفاق اقتطاعات ضخمة، أو أنه لن يكون هناك أيّ اتفاق على الإطلاق. الكارتل اقترح على موسكو وشركائها التسعة الآخرين خفضاً إضافياً جماعياً بـ1.5 مليون برميل يومياً حتى نهاية العام الجاري - هو الأكبر منذ الأزمة المالية في عام 2008، عندما قلّصت «أوبك» الإنتاج بـ4.2 ملايين برميل يومياً -، لعدم إفساح الفرصة أمام «كورونا» لتقويض الجهود الصعبة التي تمّ التوصل إليها منذ عام 2017 للحفاظ على سعر مستقرّ للنفط في سوق تشهد فائضاً في الإنتاج. وسعياً منها إلى إرسال إشارة إيجابية إلى الأسواق، قرّرت «أوبك» تمديد فترة الخفض الحالية البالغة 2.1 مليون برميل يومياً حتى نهاية العام الحالي، بدلاً من ثلاثة أشهر إضافية كما كان مقرراً أصلاً. لكن تحفّظات موسكو في دعم هذه الاستراتيجية، والشكوك حول تطوّر الوضع الصحي العالمي، أفقدت سعر البرميل 10% من قيمته بعدما تراجع خام «برنت» إلى أدنى مستوى له منذ تموز/ يوليو 2017. ومنذ مطلع ذلك العام، تعهّدت الدول الأعضاء في «أوبك+» بسحب 1.2 مليون برميل يومياً من السوق. وزاد الكارتل، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، الخفض بـ500 ألف برميل، في حين قلّصت السعودية وحدها إنتاجها بـ400 ألف برميل إضافية.
وفي حين لا يزال يتعيّن التفكير بالسيناريو الأسوأ على رغم كونه مستبعداً، يشير مؤسس «بلاك غولد إنفستورز»، غاري روس، إلى أن التصوّر الذي ينطوي على عودة السعودية إلى كامل طاقة الإنتاج سيدفع أسعار النفط للانخفاض إلى ما بين 25 و30 دولاراً للبرميل. وهو مستوى سيكون مؤلماً بالنسبة إلى دول «أوبك» التي تواجه صعوبات عند أسعار في حدود 50 دولاراً. ولدى سؤاله عمّا إذا كانت لدى المملكة خطط لزيادة الإنتاج، قال وزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان: «سأترككم تتساءلون».