طمأنت واشنطن حلفاءها في كابول إلى أنها ماضية في الدفاع عنهم بعد توقيعها اتفاقاً مع «طالبان»، وَضَع خريطة طريق لبدء انسحاب القوات الأجنبية مِن أفغانستان موضع التنفيذ. لكن عراقيل كثيرة لا تزال تحول دون إتمام «المصالحة» الأفغانية، وتالياً جلاء قوات الاحتلال، في ظلّ ريبة حكومة كابول التي تشتغل على تعطيل أيّ تقدّم محتمل، عبر رفضها التعاون في تنفيذ أبرز بنود الاتفاق القاضي بتبادل الأسرى، مضافاً إليه ربط الرئيس الأفغاني، أشرف غني، مسألة الإفراج عن أسرى «طالبان» بقطع الأخيرة ارتباطاتها مع باكستان. وبانتهاء التهدئة والعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة عبر استهداف الأميركيين مقاتلي الحركة، تزداد الشكوك في شأن مصير المفاوضات الداخلية الأفغانية وعملية السلام التي باتت مهدّدة برمّتها.وعلى رغم «الإيجابية» التي أبداها الرئيس الأميركي إزاء اتفاق الدوحة، الذي أعقبته، أول من أمس، محادثة «جيدة جداً» أجراها دونالد ترامب مع زعيم التيار السياسي للحركة، الملا برادار، الذي قاد عملية التفاوض مِن جهة «طالبان»، أعلن الجيش الأميركي شنّ غارة هي الأولى منذ 11 يوماً في نهرَي سراج في ولاية هلمند الجنوبية، استهدفت مقاتلي الحركة، يوم أمس، بعد سلسلة هجمات نفّذها هؤلاء أسفرت عن مقتل 20 مِن القوات الأفغانية. وبذلك، أكّدت واشنطن «الالتزام» الأميركي «في سبيل السلام»، توازياً مع «مسؤولية الدفاع عن شركائنا الأفغان»، وفق الناطق باسم القوات الأميركية في أفغانستان، سوني ليغيت، الذي ذَكّر مقاتلي الحركة بأن انسحاب القوات الأجنبية مِن البلاد «يستند إلى عدّة شروط» يجب أن يلتزموا بها.
ربط غني الإفراج عن أسرى «طالبان» بقطع الأخيرة علاقاتها مع باكستان


ووضعت «طالبان» حدّاً لهدنة جزئية كانت سارية في الأيام التي سبقت توقيع الاتفاق في الدوحة، بعد رفض حكومة كابول الالتزام ببند تبادل الأسرى. وبحسب ما هو ظاهر، فإن الولايات المتحدة ساهمت، إلى حدّ كبير، في تأجيج الخلاف بين الحركة وحكومة أشرف غني حول هذا البند، عندما استخدمت صياغةً مختلفة في الوثائق التي اتفقت عليها مع كلّ طرف. ففي حين يشير الاتفاق الأميركي مع الحركة إلى التزام الإفراج عن الأسرى، لم يطلب «إعلان كابول» مِن الطرفين إلا تحديد «جدوى إطلاق سراح» الأسرى. وينص اتفاق الدوحة على أن تطلق الحكومة سراح ما يصل إلى خمسة آلاف مِن معتقلي «طالبان» تزامناً مع انطلاق المحادثات الداخلية في العاشر من آذار/ مارس الجاري، في حين لا يُلزم الإعلان الموقّع بين واشنطن والحكومة الأفغانية، الأخيرة، إلا بالمشاركة في المحادثات الجارية بوساطة أميركية لاستطلاع «إمكانية حدوث» تبادل أسرى. وفيما تمثّل هذه النقطة عقبة كبيرة أمام المحادثات المرتقبة، أضاف أشرف غني عقبة جديدة، حين ربط مسألة الإفراج عن الأسرى بقطع الحركة ارتباطاتها مع باكستان. وقال الرئيس الأفغاني مِن ولاية ننغرهار (شرق) إن «طالبان» لا تستطيع تبرير تمرّدها بعد توقيع اتفاق سلام مع الأميركيين. وإذ أبدى تحفظّه على الاتفاق، توجّه إلى قادة الحركة بالقول: «أنتم توصّلتم للسلام مع الأجانب، فماذا يعني جهادكم الآن... إن قتل الأفغان يُعدّ جريمة. وتابع: «إذا كانت طالبان اشترطت إطلاق سراح سجنائها لبدء المفاوضات المباشرة بين الأفغان، نحن أيضاً لدينا شروط؛ عليهم (طالبان) أن يخبروني متى سيقطعون ارتباطاتهم مع باكستان».