إلى مَن يتوجّه نتنياهو؟
يعتبر بعض المتابعين لمواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه من أوائل السياسيين في الكيان وعلى المستوى العالمي الذين حذروا من «التهديد الإيراني» منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، حتى بات هذا الأمر لازمة في خطابه الموجّه إلى الداخل الإسرائيلي والدول الغربية. لكن الجديد في تغريدته الأخيرة هو المقارنة بين مواجهة إيران ومواجهة القومية العربية، لتأكيد بعدها الوجودي بالنسبة إلى إسرائيل والقوى التي يخاطبها. لقد حَدّد الخطاب الوطني الذي ساد في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته أعداء المشروع القومي العربي، الهادف إلى التحرّر والوحدة والنهضة والعدالة الاجتماعية، بوضوح: التحالف الامبريالي - الصهيوني - الرجعي العربي. ما كان في نظر البعض مجرّد خطاب تعبوي وشعارات لا تعبّر عن «تعقيد» الواقع أثبتت الأحداث صحته، ومن ثم إسهامات المؤرخين، ككتاب المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي «بذر الأزمات»، الصادر بالإنجليزية عام 2008. أصبحنا نعرف اليوم مثلاً أن السعودية تحالفت سرّاً مع إسرائيل خلال حرب اليمن ضدّ الجيش المصري، وأن طائرات إسرائيلية قادمة من إثيوبيا كانت ترمي الأسلحة للقبائل اليمنية المدعومة من السعودية وبريطانيا وأميركا. ضرب المشروع الناصري كان مصلحة مشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة السعودية. كَرّر التاريخ نفسه مع العراق عام 1990، حيث عمل اللوبي الخليجي والإسرائيلي يداً بيد في الولايات المتحدة لدعم خيار بوش الأب في الحرب على العراق، الذي كان قد نجح في تطوير قاعدة صناعية - عسكرية اعتقدت قوى التحالف المذكور آنفاً أنها ستُحوّله إلى قطب إقليمي خطر.
تُستهدَف إيران اليوم لأنها أسهمت في تشييد تحالف إقليمي مناهض للهيمنة الأميركية ولإسرائيل
هذه القوى ترى في أيّ دولة إقليمية مرشّحة لأن تتحوّل إلى قطب عسكري واقتصادي تهديداً وجودياً، خاصة إذا كانت تدعو إلى أيّ شكل من أشكال التجمع الإقليمي العربي و/أو الإسلامي. الأنظمة القومية مصنّفة تهديداً لهذا السبب، وكذلك إيران، وحتى تركيا ولو بدرجة أقلّ. وبعد الحرب على العراق عام 2003، استُهدفت في فترات لاحقة الأنظمة ذات الخلفية القومية، كليبيا وسوريا بمعزل عن الفارق في مواقفهما ودوريهما في الصراع مع التحالف الثلاثي. وقد أسهب المفكر العربي، علي القادري، في كتابه المرجعي «تفكيك الاشتراكية العربية»، الذي صدرت أخيراً ترجمته العربية، في شرح الأوجه المختلفة للحرب المديدة التي استمرّت عقوداً عديدة ضدّ القومية العربية، أنظمة وخيارات. المطلوب كان استئصال الفكرة العربية، بما تعنيه من تحرير للإرادة السياسية، وبناءٍ لتجمّع إقليمي يساعد على التنمية المستقلة والتوزيع العادل للثروة. تُستهدَف إيران اليوم لأنها أسهمت في تشييد تحالف إقليمي مناهض للهيمنة الأميركية ولإسرائيل، يضمّ دولاً وحركات شعبية، ويعمل على تطوير قدرات عسكرية وصاروخية تتيح تعديلاً تدريجياً، ولكن متواصلاً، لموازين القوى لغير مصلحتهما. وبما أن الحرب كانت السبيل الوحيد لضرب المشروع القومي، وهي ما يعنيه نتنياهو عندما يتحدث عن الغلبة، نراه الآن مع أنصاره يحرّضون على حرب أخرى ضدّ إيران وحلفائها، ويعملون مع حلفائهم العقائديين العضويين داخل الإدارة الأميركية لافتعالها بأيّ ثمن. من الطبيعي أن يخاطب نتنياهو القوى صاحبة المصلحة في الحرب لاستنفارها وتعبئتها، لكن من المفترض أن تسمع القوى المعنية بالتحرّر والوحدة وبالقضية الفلسطينية ما يقوله، وأن تدرك أن خطّاً بيانياً يجمع ما بين حروب الماضي على شعوب المنطقة ودولها وبين تلك الدائرة اليوم، وأن تختار ضدّ أيٍّ من المعسكرين تقف، وهذا أضعف الإيمان.