بالنسبة إلى الرئيس الروسي، باتت روسيا «ناضجة» كفاية لتقبّل هذا التغيير «الكبير». بوتين، الذي أعلن مجموعةً من التعديلات الدستورية في خطابة أمام غرفتَي البرلمان أمس، دعا إلى طرحها في استفتاء شعبي - هو الأول منذ الأخير الذي جرى في عام 1993 عندما تبنّت روسيا الدستور أثناء حكم بوريس يلتسين -، لاتخاذ قرار نهائي بناءً على نتائجه، على رغم أن الدستور الروسي لا يشترط مثل هذا الإجراء. هو شدّد على أن لا حاجة إلى اعتماد دستور جديد بينما لا تزال إمكانات الدستور القائم أبعد ما تكون مِن استنفادها، خلافاً لما تطرحه «عدة تجمّعات سياسية واجتماعية». وإذ أقرّ بأن الوضع تغيّر بشكل جذري على امتداد ربع قرنٍ، فقد حدّد جملة اختلافات بين الظرفين الراهن والسابق، منها أنه: لا يوجد صدام مسلّح في العاصمة، ولا بؤرة إرهاب دولي في شمال القوقاز.
ألغى بوتين كلمة «متتاليتين» من الفقرة الخاصة بعدد الولايات الرئاسية
من هنا، حدّد بوتين الشروط الواجب توفّرها لدى مَن يتولّى عدداً من المناصب الحكومية ومنها منصب الرئاسة، ملغياً كلمة «متتاليتين» من الفقرة الخاصة بعدد الولايات الرئاسية، والتي أتاحت له العودة إلى الكرملين لولايتين إضافيتين في عام 2012 بعدما شغل منصب رئيس الوزراء. ومن شأن الإصلاحات المُقترحة إضعاف سلطات الرئاسة، في مقابل تعزيز سلطات البرلمان مع الحفاظ على الطابع الرئاسي للنظام السياسي الذي يقوده بوتين منذ عشرين عاماً. ويهدف الإجراء الرئيس المعلَن إلى تعزيز دور البرلمان في تأليف الحكومة عبر منحه صلاحية اختيار رئيسها وفريقها الوزاري، بما لا يدعُ مجالاً أمام الرئيس لرفضها. وبدت لافتةً إشارة بوتين إلى «الارتقاء» بدور ومكانة البرلمان الروسي والأحزاب، و«استقلالية» رئيس الوزراء وجميع أعضاء حكومته، بما «يزيد من فاعلية التنسيق بين ممثّلي السلطتين التشريعية والتنفيذية». في الوقت ذاته، شدّد على الإبقاء على النظام الرئاسي وصلاحيات الرئيس في قيادة الجيش والأمن وجميع هيئات أنظمة إنفاذ القانون، وتحديد مهام وأولويات الحكومة، إضافةً إلى حقّه في إقالتها، وإقالة قضاة المحكمتَين العليا والدستورية. وتنصّ الاقتراحات على توسيع صلاحيات حكام الأقاليم وتثبيت صفة ودور مجلس الدولة الذي يضمّهم على المستوى الدستوري، وتشديد شروط الإقامة للمرشّحين للرئاسة. ما هي إلا ساعات قليلة، حتى أعلنت الحكومة استقالتها، مفسحةً في المجال أمام تغييرات كبيرة في «توازنات السلطات» التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفق ما أعلن ميدفيديف الذي سيتولّى منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الذي يترأّسه رئيس الدولة.
مصيرنا مرتبط بعدد سكاننا
تَركّز الجزء الأكبر من خطاب الرئيس الروسي على مواضيع ذات طابع اجتماعي واقتصادي، أهمّها ما قاله عن الأزمة السكانية التي تعيشها روسيا، باعتبارها تشكّل تهديداً لمستقبل البلاد وتحدّياً «تاريخياً» لها، معلناً تدابير جديدة لدعم الأسر بهدف زيادة عدد السكان. في افتتاح كلمته أمام البرلمان الروسي، قال إن «عددنا اليوم 147 مليون نسمة، لكننا دخلنا في فترة سيئة ديموغرافياً»، لذلك فإن «التقديرات السيئة الحالية، لا يمكن إلا أن تثير قلقنا». بالنسبة إليه، فإن «مصير روسيا وتطلعاتها التاريخية، يعتمد على ما سيصبح عليه عددنا» في المستقبل، داعياً إلى الخروج من «الفخّ الديموغرافي».
منذ عام 1991، خسرت روسيا أكثر من خمسة ملايين نسمة بفعل الأزمة السكانية التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي. وبعد فترة من الانتعاش، عاود عدد السكان في روسيا الانخفاض منذ عام 2018 مع بلوغ الجيل الذي ولِد في أولى السنوات التي تلت انهيار الاتحاد، والتي شهدت انخفاضاً في عدد الولادات، السنّ المواتية للإنجاب. في عام 2019، بلغ معدل الخصوبة 1.5 ولادة للمرأة الواحدة، وهو رقم «يجب أن يرتفع إلى 1,7 في عام 2024». وإذ أعلن تدابير مشجعة على الإنجاب، تعهّد وخصوصاً تمديد برنامج مساعدات مالية للأهل، يشمل حتى الآن دعماً مالياً لإنجاب طفلٍ ثانٍ. وستبلغ المساعدة المقدمة للعائلات ذات الطفلين 617 ألف روبل (9 آلاف يورو)، تمنح بين الولادتين، مع إعلانه تمديد هذا البرنامج حتى كانون الأول/ ديسمبر 2026. وأعلن كذلك مخصّصات جديدة، اعتباراً من الشهر الجاري، للعائلات التي تواجه صعوبات وتراوح أعمار أولادها بين 3 و7 سنوات، فضلاً عن جعل الطعام في المدارس مجانياً.