بغداد | في أوّل المخرجات «غير العسكرية» لاجتماع فصائل المقاومة العراقية، والذي عُقد في مدينة قم الإيرانية قبل يومين، بحضور معظم قادتها، إضافةً إلى ممثلين عنهم، جاءت دعوة زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، إلى «ثورة مليونية» تندّد بالاحتلال الأميركي للبلاد. بيان الصدر دعا إلى «ثورة عراقية لا شرقية ولا غربية»، تكون أولى خطواتها «تظاهرة مليونية سلمية موحّدة تندّد بالاحتلال وانتهاكاته»، معلِناً أن هذه الخطوة ستُستكمل بـ«وقفات شعبية وسياسية وبرلمانية، تحفظ للعراق وشعبه الكرامة والسيادة». البيان لم يحدّد موعداً للتظاهرة المرتقبة، مُسنداً ذلك إلى «اللجنة التنسيقية» التي ستصدر بياناً في الساعات المقبلة يحدّد مكانها وزمانها، وسط ترجيحات بأن تكون في بغداد، نهار الجمعة الواقع فيه 17 كانون الثاني/ يناير المقبل، بعد صلاة الظهر. أما الشعارات، فستؤكد تمسّك العراقيين بسيادتهم ووحدة أراضيهم ضدّ أيّ مشروع تقسيمي، ورفضهم أيّ وجود عسكري أجنبي يعدّ انتهاكاً لاستقلال البلاد. سريعاً، جاء الردّ على دعوة الصدر. قوى «البيت الشيعي» ــــ وتحديداً المؤيدة لـ«الحشد الشعبي» والمقاومة ــــ تبنّت موقف الرجل، ودعت جماهيرها إلى الالتفاف حوله، فيما لم يوضح زعماء «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، و«تيار الحكمة» عمار الحكيم، و«ائتلاف النصر» حيدر العبادي، موقفهم بعد. لكن التوقعات تشير إلى أن الأوّلَين سيمضيان «على مضض» في هذا الخيار، في حين سيرفض الأخير أيّ حراك مماثل لأنه «يُدخل العراق في نفقٍ مظلم»، على حدّ تعبير مقربين منه.وعلى رغم التباين الكبير في المواقف والرؤى بين الصدر و«رفاق السلاح» السابقين من قادة الفصائل، كان بارزاً جداً تقديم الصدر كـ«أبٍ» للمقاومة العراقية، علماً بأن السواد الأعظم من قادة الفصائل هم من كوادر «جيش المهدي» و«لواء اليوم الموعود» (الأجنحة العسكرية لـ«التيار»).
استُهدف معسكر التاجي، الواقع شمالي بغداد، بعدد من صواريخ الكاتيوشا

التفافٌ يُعزى إلى جهود بُذلت منذ استشهاد نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، وقائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني، دفعت باتجاه «وحدة الصفّ ورصّه، ووضع الخلافات جانباً»، لأن العراق «مقبلٌ على مرحلة حسّاسة جداً ودقيقة، تفرض على قوى البيت الشيعي إزاحة الخلاف ولمّ الشمل وتصدير موقف واحد» وفق ما تعبّر مصادر مطلعة. كذلك، ثمة إجماعٌ بين معظم تلك القوى على دعم جهود رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، في تنفيذ القرار البرلماني الداعي إلى انسحاب قوات الاحتلال، واعتباره «إنذاراً» للأميركيين قبل الانتقال إلى مرحلة المقاومة الميدانية. من جانب إيران، يبدو أن ثمة توجّهاً لدى القيادة هناك لاحتضان الصدر في المرحلة المقبلة، وتأكيد موقعه المتقدّم في مقاومة الاحتلال الأميركي، في ظلّ حاجة طهران إلى إعادة ترتيب أوراقها داخل بلاد الرافدين، وتنظيم فريقها العامل في العراق، والابتعاد قدر المستطاع عن أيّ خلاف من شأنه تقويض ما كان الفريق سليماني قد نجح في إنجازه.
ميدانياً، استُهدف معسكر التاجي، الواقع شمالي بغداد، بعدد من صواريخ الكاتيوشا، والتي لم تسفر عن وقوع إصابات. ومن المتوقع أن يشهد هذا المعسكر، الذي تشغل القوات الأميركية جزءاً منه، مزيداً من تلك العمليات وبما يفوقها قوة في المرحلة المقبلة، بوصفه واحداً من «بنك أهداف» المقاومة. وهو ما قرأه الأميركيون جيداً منذ حادثة الاغتيال، فعمدوا إلى تقليص حضورهم هناك، والاكتفاء بالتحركات الضرورية حرصاً على «أمن قواتهم». ويوضع استهداف الأمس في سياق «الرسائل التحذيرية» التي تحرص الفصائل على توجيهها توازياً مع الحراك السياسي، من أجل التأكيد أن الخيار الميداني خيار قائم، وهو «الأنجع لمواجهة الاحتلال»، بحسب ما تقول مصادرها.
على خطّ موازٍ، وفيما تتزايد المؤشرات إلى أن رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، باقٍ في موقعه إلى «أجل غير مسمى»، بدا لافتاً تصريحه أمس، والذي قال فيه إن «العراق قوي وقادر على تجاوز كلّ الظروف الصعبة والمعقّدة... وإن علاقاته الخارجية في أفضل حالاتها»، مشدّداً على «منع بقاء السلاح خارج الدولة، وضرورة مواصلة الجهود لمواجهة بقايا داعش، وإحباط محاولاتها لاستغلال الظروف». تصريحات تُعدّ، وفق مصادر حكومية، دليلاً على أن عبد المهدي ــــ وعلى رغم تصريفه للأعمال ــــ سيتعامل مع الاستحقاقات والتحدّيات بصفته «أصيلاً»، وسيكمل مهماته حتى التوافق على بديل.