الحسكة | ارتباكٌ واضح تشهده نقاط تمركز القوات الأميركية المتواجدة بشكل غير شرعي في محافظتَي الحسكة ودير الزور في سوريا، بعد جريمة اغتيال القائدين الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. ارتباكٌ مردّه إجراءات احترازية تتخذها تلك القوات لتجنّب وقوع خسائر كبيرة في صفوفها في حال استهدافها، فضلاً عن حجب الأهداف السهلة لديها. وتمثّلت تلك الإجراءات في تحرّكات مكثفة للآليات والجنود الأميركيين بين نقاط تمركزهم في ريفَي الحسكة ودير الزور، في ظلّ حركة طيران حربي ومروحي كثيفة، منذ ما بعد ارتكاب الجريمة مباشرة. كما لوحظت حركة انتشار دوريات متنقّلة في عدد من أرياف دير الزور الشمالية والشرقية، وريفَي الحسكة الجنوبي والشرقي، في ما بدا أنها جهود لإخلاء القواعد والنقاط المكشوفة من الجنود والآليات.ووفقاً لما نقلته وكالة «سانا» الرسمية السورية، أمس، عن مصادر أهلية، فإن «قوات الاحتلال الأميركي المتمركزة في قاعدة خراب الجير بريف الحسكة بدأت بإخلاء القاعدة بشكل نهائي من خلال خروج نحو 40 شاحنة تحمل معدّات عسكرية وعربات منها، واتجاهها إلى قرية السويدية القريبة من معبر الوليد غير الشرعي تمهيداً للانسحاب باتجاه الأراضي العراقية». وأضافت الوكالة أن «50 شاحنة أميركية غادرت قاعدة الشدادي، واتجهت نحو الريف الشرقي للحسكة تمهيداً للانسحاب إلى الأراضي العراقية». من جهتها، أكدت مصادر ميدانية، في حديث إلى «الأخبار»، «إخلاء الأميركيين قاعدة العمر في ريف دير الزور الشرقي من الجنود، باتجاه عدد من المناطق الأخرى»، موضحة أن «الإخلاء شمل أيضاً قاعدة خراب الجير في ريف الحسكة الشمالي، وحقل كونيكو في ريف دير الزور الشمالي الشرقي». وبيّنت أن «الإخلاء تمّ من قواعد مكشوفة، باتجاه قواعد أكثر تحصيناً في رميلان والشدادي في ريفَي الحسكة الشمالي والجنوبي، مترافقاً مع تحليق حربي ومروحي مكثّف». ووصفت المصادر التحركات الأميركية الأخيرة بأنها «إجراءات احترازية بدأت يوم أمس، بهدف تجنّب أيّ خسائر بشرية في حال طاول الردّ الإيراني القواعد الأميركية في سوريا».
لا يمكن فصل مصير تواجد الولايات المتحدة في الشرق السوري عن مصير تواجدها في العراق


كذلك، كشفت المصادر أن «واشنطن بدأت، منذ ليلة الاغتيال في بغداد، تركيب بطّاريات دفاع جوي في محيط قواعدها الرئيسة في ريف الحسكة ودير الزور»، مُحدّدةً الهدف من ذلك بأنه «صدّ أيّ هجمات جوية، من طائرات مسيّرة أو صواريخ، متوقّعة على أهداف أميركية في سوريا». وأشارت إلى أن «تركيب البطّاريات شمل قواعد محدّدة حتى الآن، ويمكن أن يتّسع انتشارها لاحقاً»، نافية أن «تكون التحركات الأميركية الأخيرة بداية لانسحاب أميركي من الأراضي السورية»، مضيفة أنها «خطوات احترازية استجابة للتهديدات الجديدة». وعلمت «الأخبار»، أيضاً، من مصادر موثوقة، أن «الأميركيين نقلوا - للمرة الأولى منذ الإعلان عن إعادة الانتشار الأميركي في سوريا بعد عملية نبع السلام التركية - جنوداً من سوريا نحو العراق»، في ما يُرجّح أن يكون «لتعزيز إجراءات الحماية في القواعد الأميركية في العراق بعد التصعيد الأخير».
ولا يمكن فصل مصير تواجد الولايات المتحدة في الشرق السوري عن مصير تواجدها في العراق. إذ في حال سحبت واشنطن قواتها من الأخير، فإن بقاءها في شرق الفرات سيكون شبه مستحيل، نظراً إلى اعتمادها بشكل كامل في إمداد القوات هناك على المؤن والمعدات من القواعد الموجودة في الأراضي العراقية. يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة كانت قد خسرت نقاط تواجدها على الشريط الحدودي مع تركيا بعد «نبع السلام» التركية، وبات شبه مستحيل أيضاً أن تستخدم ما تبقّى لها من وجود على الحدود التركية شمال الحسكة كطريق إمداد بري لها، في ظلّ معارضة أنقرة لدعمها لـ«قسد»، وتأزّم العلاقات بينهما. كما أن القواعد والنقاط الأميركية تقع في بقع جغرافية صغيرة ومكشوفة، وإمكانية استهدافها سهلة، ما يرفع من نسبة الخطورة عليها، في حال انطلاق مقاومة شعبية ضدّها في المنطقة.
وتأتي هذه التطورات في وقت عاد فيه وفد من عشائر الجزيرة السورية من زيارة إلى طهران استمرّت لعدّة أيام منذ ما قبل استشهاد سليماني، التقى خلالها عدداً من القادة الإيرانيين. وبحسب مصدر من داخل الوفد، فإن «إيران عرضت استعدادها لدعم أيّ مقاومة شعبية للوجود الأميركي في سوريا». وكانت وكالة «فارس» الإيرانية نقلت عن رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، تأكيده، خلال لقائه الوفد العشائري، «معارضة إيران لأيّ إجراء يستهدف وحدة الأراضي السورية وسيادتها الوطنية، وأيّ تحرك عدواني ضدّها»، وحديثه عن «دور أميركا المخرّب تجاه سورية، والذي أصبح مكشوفاً، ويجب أن يؤخد في الاعتبار». واعتبر لاريجاني، وفقاً للوكالة، أن «أميركا تحوّلت إلى سارق للنفط السوري».