لم تنفع كلّ المبرّرات التي قدّمها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في سياق طلبه الحصانة من «الكنيست» للحيلولة دون محاكمته في قضايا فساد خطيرة، في منع معارضيه من السياسيين والإعلاميين من الانهيال عليه بالانتقادات والاتهامات. وتنبع أهمية طلب نتنياهو من أنه في حال تَحقّق له ما أراد، تتوقف الإجراءات القضائية لمحاكمته. ووفقاً للقانون، كان يُفترض بنتنياهو تقديم طلب الحصانة إلى اللجنة المعنية في «الكنيست»، إلا أن الأخيرة تمّ حلّها في أعقاب حلّ الندوة البرلمانية بسبب عدم تشكيل ائتلاف حكومي، وهو ما نقل صلاحياتها إلى رئيس «الكنيست»، يولي أدلشتاين، الذي تقدّم إليه رئيس الحكومة بطلب الحصانة. لكن أدلشتاين قرّر، بموجب حق «الفيتو» الذي منحته إيّاه اللجنة المذكورة، تأجيل التصويت إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، بالنظر إلى أن لا أغلبية في «الكنيست» الحالي تؤيد منح نتنياهو الحصانة، وهو ما استدعى ردوداً غاضبة من كتلة «أزرق أبيض» التي اعتبرت أن أدلشتاين هدف من وراء ذلك إلى إنقاذ نتنياهو من السقوط الحتمي.وكشف طلب نتنياهو الحصانة، في سياق مناوراته التي دامت خلال أكثر من سنة، أنه يخشى مواجهة المحكمة، ويدرك أن ذلك سيؤدي إلى سجنه. وعلى هذه الخلفية، أتى تعقيب رئيس «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، بأن «كلّ ما كان ولا يزال يهمّ نتنياهو هو الحصانة... فقد حوّل دولة إسرائيل إلى رهينة لمشكلة شخصية». وعلى ضوء ما تقدّم، يمكن القول إن الموقف من حصانة نتنياهو سيتحول إلى قضية مركزية في الانتخابات المقبلة، وسيحدّد وجهة تصويت الناخب في آذار/ مارس. وعليه، لم يعد أمام نتنياهو سوى الرهان على أن ينال تحالفه 61 مقعداً، لكن ليبرمان لم ينتظر نتائج الانتخابات المقبلة، بل سارع إلى التأكيد «(أننا) لن نكون جزءاً من ائتلاف الحصانة. وجميعاً سنصوّت ضد الحصانة لنتنياهو»، علماً بأن كتلة «أزرق أبيض» تتبنّى الموقف نفسه أيضاً.
انطلاقاً من تلك المعطيات، انقسم مستشارو نتنياهو بين مَن رأى أنه لا مفرّ من طلب الحصانة، وبين مَن حذر من أن الحملة الانتخابية ضدّها ستكون شديدة جداً، وستؤثر على إمكانية فوز «الليكود» وتوصية 61 عضواً بتكليف رئيسه بتشكيل حكومة. أما المعلقون الإسرائيليون فتناولوا المسألة من زوايا متعددة؛ إذ اعتبر محلل الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس»، يوسي فيرتر، أن «سلوك نتنياهو وطريقه ولغته وأقواله مثل المجرم. وسلسلة أكاذيبه تلائم مجرماً تسلسلياً وليس زعيماً». وأضاف فيرتر إن «السيناريو الأفضل بالنسبة إلى نتنياهو هو جولة انتخابية رابعة، تليها خامسة، وهكذا دواليك. وحتى لو فازت كتلة اليمين بـ 61 عضو كنيست، ثمة شك كبير في ما إذا كان جميع أعضاء الكنيست من حزبه سيؤيدون طلب الحصانة». وذهب إلى حدّ التوقع بأن تلغي المحكمة العليا الطلب، تماماً مثلما فعلت في حالات أسهل من ذلك، مضيفاً إن نتنياهو يدرك أن «جميع الأودية تسير إلى هناك، ولكنه يلعب على الوقت». من جهته، رأى المحلل السياسي في «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، أن وضع نتنياهو صعب، «لأن من يطلب الحصانة سيعتبره الجمهور متهماً».
في غضون ذلك، رفضت المحكمة العليا التماساً تَقدّم به 67 شخصاً من أجل إصدار قرار بمنع نتنياهو من تشكيل الحكومة المقبلة، على خلفية اتهامه بمخالفات فساد خطيرة. وبررت المحكمة موقفها بأنه «لا يوجد نص قانوني يمنع المدعى عليه (نتنياهو) من المنافسة في الانتخابات. ونحن لا نعرف بعد كيف ستكون نتائج الانتخابات المقبلة. وبعد الانتخابات ستنتقل الكرة إلى رئيس الدولة، الذي بموجب مشاورات مع رؤساء الكتل يُكلّف من لديه (أفضل) الاحتمالات لتشكيل الحكومة. والسؤال: لماذا الآن (بحث التكليف) وليس في المرحلة المقبلة».
بالنتيجة، تحَوّلت الحصانة إلى قضية رأي عام، سيحدّد مصيرَها الناخبُ الإسرائيلي بعدما رفض رئيس «الكنيست» طرحها للتصويت. ومن شأن الموقف الشعبي منها الدفع نحو أو منع بلورة أغلبية «يمينية» يستطيع نتنياهو بالاستناد إليها تشكيل الحكومة المقبلة. في الوقت نفسه، تبقى كلمةٌ فصل للمحكمة العليا التي أجّلت قرارها النهائي إلى لحظة الاستحقاق.