للمرة الأولى منذ التصويت على قانون «واجب التنبّه» الخاص بالشركات الكبرى في آذار/ مارس 2017، تجد شركة «توتال» المتعددة الجنسيات نفسها أمام القضاء، بسبب ممارسات إحدى شركاتها الفرعية في أفريقيا. وفرنسا هي أول دولة تتسلّح بإطار قانوني ملزم يضبط «ممارسات الشركات المتعددة الجنسيات، ويفرض عليها احترام المعايير الخاصة بالحفاظ على صحة السكان وسلامتهم، وحقوق الإنسان والبيئة، ويكون ملزماً أيضاً لفروع هذه الشركات ولشركائها التجاريين داخل فرنسا وخارجها». وقد استندت منظمتان غير حكوميتين فرنسيتان ومجموعة من الجمعيات الأوغندية إلى هذا القانون للادعاء على «توتال» في الـ12 من الشهر الحالي بتهمة عدم مراعاة «واجب التنبّه» تجاه فرعها في أوغندا، الذي قام ببناء منشأة نفطية في محمية «مورشيسون فولز» الطبيعية، وتجاهَل التبعات الاجتماعية لهذه العملية ومخاطرها الأكيدة على البيئة. وبحسب المنظمتين، لم تحترم «توتال» التزاماتها القانونية - السارية المفعول منذ 2017 - بالإشارة إلى الإجراءات الخاصة التي تنوي اتخاذها في خطة التنبّه، والتي أعدّتها لتحديد المخاطر والوقاية منها. قد يدفع اللجوء للقضاء، وهو سابقة، إلى استنفار عام في أوساط قسم من عالم الأعمال في فرنسا والعالم، كان قد عارض بشراسة قبل سنتين تبنّي القانون المذكور في بلد تربط بين سلطته السياسية وأوساط الأعمال والصناعة علاقات عضوية. من الصعب نسيان أن رئيس الوزراء في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند، جان مارك إيرولت، اتَّخذ كمستشار للقضايا الدولية، روماران روانيان، النائب السابق لمسؤول العلاقات الدولية في شركة «توتال». وحتى باتريك بوياني، المدير العام الحالي لـ«توتال»، كان مديراً لمكتب فرنسوا فيون عندما كان الأخير وزيراً لتكنولوجيا المعلومات. وبعد أن أصبح فيون نائباً في البرلمان، اشتُهر بعمله لمصلحة رجل الأعمال اللبناني فؤاد مخزومي، وقدّمه إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإلى بوياني المدير العام لـ«توتال». ليس من المفاجئ إذاً أن لا تكون الحكومة الفرنسية قد شكلت لجنة للتأكد من احترام الشركات لقانون «واجب التنبه»، لأن هذا الأخير أبصر النور بمعزل عنها، وبفعل مبادرة مجموعة من النواب تعاونت بشكل وثيق مع ائتلاف لجمعيات ونقابات ومجموعات من المجتمع المدني.
تطبيق التشريعات بحق الشركات العملاقة خطوة أولى على طريق مواجهة الانتهاكات التي ترتكبها


وعلى الرغم من غياب الإرادة السياسية لدى السلطة التنفيذية، فإن تطبيق التشريعات بحق الشركات العملاقة كـ«توتال» يشكّل خطوة أولى على طريق مواجهة الانتهاكات السافرة التي ترتكبها، بعدما استطاعت حتى الآن أن تكون سلطة حقيقية تتحكم في القوانين وتستخدمها لمصلحتها، كما يقول آلان دونولت، العضو في «معهد الفلسفة الدولي». ويذكر هذا الفيلسوف الكندي، في كتابه «عن توتال وما تمثل»، أن الشركات المتعددة الجنسيات تتكون من العديد من المجموعات المتمايزة، التي تشكل كيانات مستقلة على المستوى القانوني. فشركة متخصصة في حقل الطاقة كـ«توتال»، تضمّ 934 مؤسسة ناشطة في 130 دولة، ويبلغ حجم أعمالها 200 مليار دولار، تستطيع أن تمارس ضغوطاً كبرى على الدول التي لا تملك من جهتها أدوات قانونية وتشريعية للتعامل معها كشركة تعمل على الصعيد العالمي؛ إذ تجد نفسها في مواجهة فروع الشركة وليس الشركة الأم، علماً بأن تلك الفروع تحترم عادة القوانين المحلية في بلدان أفريقية وآسيوية لا تأخذ في الحسبان المخاطر على حقوق الناس وعلى البيئة الناجمة عن أنشطة الشركات المتعددة الجنسيات.
هذا هو الواقع الذي يسعى القانون الفرنسي المشار إليه لتصحيحه، عبر توسيع مبدأ المسؤولية ليشمل الشركة الأم، وأخذ انتهاكات الحريات الأساسية بعين الاعتبار حتى ولو تم تجاهلها في البلدان التي تعتمد استراتيجيات تهدف الى اجتذاب الشركات المتعددة الجنسيات. لكن ذلك القانون لا يطال سوى أحد أوجه السلطة شبه المطلقة لهذه الشركات القادرة على فرض ميزان قوى ملائم لمصالحها، عبر تقديم نفسها كمستثمر نوعي، ودفع العمولات (الرشى)، وابتزاز الدول وملاحقتها قانونياً استناداً إلى آليات حلّ الخلافات التي نصّت عليها اتفاقيات التجارة الحرة والاتفاقيات المتعددة الأطراف المُوقّعة بين الدول.