في أحد الأقسام الطبية في مستشفى «زيف» في صفد، هناك 32 سريراً فقط، وفي الأسبوع الأخير وصل 40 مريضاً بينهم ثلاثة احتاجوا إلى تدخّل سريع وتنفس اصطناعي. كلّ هذا تحت رعاية طبيب واحد ومساعدَين اثنين فقط. أما في جناح «ج» في مستشفى «بيلنسون»، فقد عولج الأسبوع الماضي 45 مريضاً، بينهم أربعة احتاجوا إلى تدخل سريع وتنفس اصطناعيّ، مع أن قدرة المستشفى على استيعاب المرضى تقف عند حدود 38 فقط. وتنسحب هذه الحال على مختلف المستشفيات الإسرائيلية، وبينها مستشفيات ذات قدرة استيعابية كبيرة، مثل «رمبام» في حيفا و«الجليل الغربي» في نهاريا.
تعاني منظومة الرعاية الصحية من عجز يُقدّر بما بين 3 و5 مليارات شيكل سنوياً
ويرى مديرو الأقسام الداخلية في المستشفيات أنه ليس لدى الحكومة الانتقالية أيّ خطة للتعامل مع الأزمة التي تفاقمت من جرّاء انتشار الإنفلونزا ونزلات البرد أخيراً، كما أنها غير مستعدة لإيجاد حلول على مدار العام. أما البيانات التي تكاثرت في وسائل الإعلام العبرية أخيراً حول الاستعدادات للشتاء، وبدء تحسين المنظومة الصحية الداخلية، فقد وصفتها «معاريف» بأنها: «لا دببة ولا غابة»، في إشارة إلى مثل يستخدمه الإسرائيليون لوصف الوعود الفارغة. لكن لماذا تفاقمت الأزمة؟ من الصحيح أن الجمود السياسي سبب رئيس لذلك، لكن بالعودة إلى تقرير صدر قبل بضعة أشهر عن مركز «تاوب»، يتّضح أن نظام الصحة يعاني من «إخفاقات منهجية وعيوب أساسية أدت إلى نقص حادّ في عدد الأسرّة، وزيادة في معدّلات الطلب، والأهم فجوات بين المناطق في الوصول إلى العلاج». ووفق التقرير، فإن نظام الاستشفاء والرعاية الصحية تخلّف عن دول «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية» (OECD)، فيما تشير الأرقام إلى أنه في إسرائيل يبلغ عدد أسرّة المستشفيات لكلّ ألف شخص 2.2 مقابل 3.6 في دول المنظمة.
من الصحيح أن عدد الأسرّة لكل 1000 شخص يشهد انخفاضاً في معظم الدول، ولكن في إسرائيل يُعدّ هذا الانخفاض أكثر حدّة، حيث وصل معدّله بين 2002 و2017 إلى 22% مقابل 15% في دول المنظمة في المدّة نفسها. وقد أدى ذلك إلى تقليل أيام الاستشفاء القصير في إسرائيل، إذ بلغت خمسة أيام لكلّ مريض، علماً بأنها في دول المنظمة 6.7 أيام. ويضيف التقرير أنه إذا «كنت بحاجة إلى العلاج... فقد ينتهي بك المطاف منتظراً لأيام في ممرّ أحد الأقسام، أو لساعات في غرفة الطوارئ». هذه العيوب سببها الفشل المنهجي للحكومة في التخطيط وتخصيص الميزانية، علماً بأن عدداً كبيراً من المرافق الصحية تُموّله الحكومة، وحتى تلك غير المملوكة للحكومة تحصل منها على تمويل، الأمر الذي رآه التقرير «خللاً أساسياً في النظام». يُضاف إلى ذلك أنه في إسرائيل يتم تمويل نظام التأمين الصحي الشامل من جباية الضرائب، أي إنه يعتمد هو الآخر على الميزانيات الحكومية.
في الصورة العامة، استثمرت تل أبيب على مدى سنوات في ميزانيات أجهزتها الأمنية وجيشها ومنظومات أسلحتها تحت حجّة التهديدات، في حين أن الميزانيات المُخصّصة للرعاية الصحية كانت تتدنى عاماً بعد عام، حتى بات الإنفاق على الخدمات الطبية من بين أدنى المعدّلات في العالم الصناعي، بعدما لحق به تخفيض إضافي خلال العام الجاري.