للمرة الثالثة خلال أقلّ من سنة، تتكرّر الانتخابات العامة التي يفترض أن تجري في الثاني من آذار / مارس المقبل، بعد فشل المحاولات المتكرّرة في تشكيل الحكومة. وهي سابقة في تاريخ إسرائيل. لكن ما يميّزها هذه المرة، أنها تجري في ظل رئيس حكومة متهم رسمياً بثلاث قضايا فساد، تحوّلت معها إلى استفتاء شعبي على الموقف من اتهام القضاء له ومدى أهليته لتولي منصب رئاسة الحكومة. ومع أن كل المعطيات الاقتصادية والسياسية والشعبية في كيان العدو، كان يفترض أن تشكل دافعاً تاماً للحؤول دون تكرار الانتخابات، لكن المناورات السياسية وحرص كل طرف على استغلال الوضع القائم لإخضاع الطرف المقابل، حالا دون التوصل إلى أي اتفاق بين الأطراف المتنازعة.بناءً عليه، تقرّر إجراء الانتخابات العامة، واللافت أن كل القوى السياسية تتبرأ من المسؤولية عنها. وجميعهم يقرّون بأنها غير ضرورية، وكأنه ينبغي أن لا تجري. والجميع يقرّ أيضاً بسلبياتها الاقتصادية، كما أن أياً من القوى السياسية لا تراهن على أن تؤدي نتائجها إلى إحداث تغيير جذري ينهي الأزمة العالقة فيها إسرائيل. ومع كل ذلك، اتجهت إسرائيل نحو انتخابات عامة، بينما يبدو السيناريو الأكثر ترجيحاً تكرار إنتاج المعادلة ذاتها في الكنيست، والتي تكرّس قدرة تعطيل متبادلة في ضوء التحالفات والبلوكات، التي تبلورت على خلفية الاصطفافات السياسية والإيديلوجية، وذلك إلا في حال تفكّك بعض هذه التحالفات أو قرار حزب «الليكود» خوض الانتخابات برئيس غير بنيامين نتنياهو في انتخابات «الليكود» الداخلية على منصب الرئاسة، في 26 كانون الأول / ديسمبر الحالي.
في انتخابات نيسان / أبريل الماضي، استطاع نتنياهو أن يغلّف خلفياته المصلحية، بعناوين أخرى تتصل بالحريديم وتجنيدهم في الجيش، لكن السبب الأكثر حضوراً في فشل تشكيل الحكومة والانزلاق نحو تكرار الانتخابات، هو أن رئيس وزراء إسرائيل المتهم بثلاث لوائح اتهام، يريد مقابل تحرير الدولة من الفترة الانتقالية التي تمر بها، ضمان عدم محاكمته ودخوله السجن، وإلى ذلك الحين سيبقى متحصّناً في منصبه لمنع ذلك. لكن اللافت جداً في هذا المشهد، هو التفاف حزب «الليكود» ومعسكر اليمين حول هذا المطلب، رغم الصورة التي بدت عليها اسرائيل.
تقرّر إجراء الانتخابات العامة واللافت أن كل القوى السياسية تتبرّأ من المسؤولية عنها


مع ذلك، يمكن تسجيل أكثر ملاحظة تتصل بالمشهد السياسي الانتخابي. فالواضح أن نتنياهو يدخل الانتخابات المقبلة في أسوأ حال عليها، بالقياس إلى المحطات السابقة. لكنّه يقدم عليها نتيجة انعدام وفشل خياراته البديلة. يخوض الانتخابات هذه المرة، وهو متهم بثلاث لوائح اتهام أخطرها الرشوى. ويخشون في «الليكود» ومعسكر اليمين أن يؤثر ذلك في وجهة تصويت بعض الناخبين.
ومهما جرى من محاولات تقديم برامج سياسية وانتخابية، إلا أن جوهرها الأساسي هو استفتاء شعبي على الموقف من اتهام نتنياهو. وما إن كان ينبغي تحصينه لمنع محاكمته، وإبقائه في منصب رئاسة الحكومة أو بلورة موقف شعبي يطالب بإقصائه ومحاكمته على فساده، وهي ظاهرة غير مألوفة في الكيان الإسرائيلي.
مع ذلك، سيسعى التكتلان الرئيسيان في المنافسة، «الليكود» و«أزرق أبيض»، إلى محاولة فرض أجندتهما على الجو التنافسي. من جهة، سيسعى «أزرق أبيض» إلى تقديم نتنياهو كمن قدّم مصالحه الشخصية على مصالح الدولة. في المقابل، سيسعى نتنياهو ومن معه، إلى محاولة رفع مستوى تمثيل معسكر اليمين، كي يتمكن من تشكيل حكومة ضيقة. لكن ما رفع منسوب التهديد بالنسبة إلى نتنياهو، هي التقارير الإعلامية عن أن أحزاب اليمين قد لا تبقى ملتزمة بالتكتل الذي مكّن نتنياهو من تعطيل تشكيل حكومة بديلة، برئاسة رئيس حزب «أزرق أبيض»، بني غانتس. مع ذلك، فإن استطلاعات الرأي الحالية، (ويمكن أن تتغيّر إلى يوم الانتخابات)، تظهر بأن تكتل اليمين سيتراجع في مقابل تكتل «أزرق أبيض».