طهران | باكراً، دخلت إيران موسم الانتخابات، مع انتهاء تسجّل المرشّحين للبرلمان الـ11. الانتخابات التي من المقرر أن تجرى في 21 شباط/ فبراير 2020، تحيط بها أجواء صاخبة، نظراً إلى المرحلة الحساسة في البلاد، وإلى إمكانية انعكاس النتائج على الانتخابات الرئاسية، وكذلك احتمال أن يشهد البرلمان تغييرات في أحجام القوى، في ظلّ عزوف علي لاريجاني وترشّح محمد باقر قاليباف.انتهت مهلة الترشح للانتخابات البرلمانية في إيران، إيذاناً بانطلاق التنافس على مقاعد السلطة التشريعية. وأمس، أعلن رئيس لجنة الانتخابات، جمال عرف، في ختام مهلة تسجيل المرشّحين، التي استمرت أسبوعاً واحداً، أن 16 ألفاً و145 مرشّحاً تسجّلوا لخوض الانتخابات البرلمانية في المناطق والعاصمة والخارج. وأفاد بأن 248 شخصاً منهم هم نواب حاليّون، بينما بلغت نسبة النساء المترشحات 12% من إجمالي المرشّحين. وتنتهي الدورة العاشرة للبرلمان في 26 أيار/ مايو 2020، ومن المقرر أن يتم انتخاب 290 نائباً من 208 دوائر انتخابية. ونظراً إلى أن عدد الناخبين الذين تتوافر لديهم الشروط الكافية للإدلاء بأصواتهم يبلغ نحو 55 مليون ناخب، فإنه يتم انتخاب نائب واحد ليمثل 190 ألف شخص في المجلس النيابي. وأوضح وزير الداخلية، عبد الرضا رحماني فضلي أن أكثر من 85% من الانتخابات البرلمانية ستجرى بصورة إلكترونية، وبذلك فإنه سيتم تصفير 90% من المخالفات الانتخابية.
ويُعدّ عدم ترشّح الرئيس الحالي للبرلمان، علي لاريجاني، أهم الأحداث الانتخابية حتى الآن، إلى جانب عزوف رئيس تكتل «الأمل»، محمد رضا عارف، هو الآخر، عن الترشّح، وهو من أنصار حكومة الرئيس حسن روحاني. في المقابل، يعود إلى واجهة الحياة السياسية من بوابة الترشّح للبرلمان: محمد باقر قاليباف، الشخصية المحافظة البارزة، والذي ترشّح بوجه روحاني في الانتخابات الرئاسية، ويعارض حكومته اليوم، وشغل منصب عمدة طهران السابق. ولم يتكلّل ترشح قاليباف للانتخابات الرئاسية ثلاث مرات بالنجاح، لكنه يصبو هذه المرة إلى ترؤس «مجلس الشورى الإسلامي» (البرلمان) عن طريق خوض الانتخابات العامة. وفي غياب لاريجاني وعارف، فإن قاليباف يعدّ الخيار المحتمل لتولي رئاسة البرلمان كخليفة للاريجاني، ولا سيما أن الكثير من التوقعات تشير إلى فوز المحافظين المعارضين للحكومة في الدورة المقبلة. وأعلن قاليباف، في بيان الترشّح، أنه سيركّز جلّ اهتمامه على «مراقبة هذه الحكومة المرهقة ودفعها إلى العمل والنشاط في هذه السنة ونصف السنة المتبقية من عمرها، لكي لا تزداد الأوضاع المعيشية للناس سوءاً، والتمهيد لمجيء حكومة جهادية وفاعلة».

دراسة أهلية المرشّحين مثار جدل
وفقاً لقانون الانتخابات، فإن المرشّح للانتخابات التشريعية يجب أن لا يقلّ عمره عن 30 عاماً أو يزيد على 75 عاماً، كما عليه أن يحمل مؤهل الماجستير أو ما يعادله، وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية، وأن يلتزم عملياً بالإسلام (لِمَن هو مسلم، حيث يوجد نواب غير مسلمين) والقانون الإسلامي وولاية الفقيه المطلقة، وأن يحمل الجنسية الإيرانية. وبعد الانتهاء من تسجيل المترشّحين، تتم دراسة أهليتهم على مرحلتين من قِبَل الهيئات التنفيذية المعينة من وزارة الداخلية، ومن ثم هيئات المراقبة التابعة لـ«مجلس صيانة الدستور». تأييد الأخير لأهلية المرشّحين، سواء في الانتخابات التشريعية أم الرئاسية، يُعدّ دائماً واحدة من أكثر المراحل إثارة للجدل في مسار إجراء الانتخابات في إيران.
16 ألفاً و145 مرشّحاً تسجّلوا لخوض التنافس على 290 مقعداً


وشرح المتحدث باسم «صيانة الدستور»، عباس علي كدخدائي، لوسائل الإعلام، كيفية بتّ أهلية المترشحين، قائلاً: «لقد استخرجنا من القانون الحالي ثلاثة محاور رئيسة، وجعلناها أساساً ومعياراً لعملنا: الفساد الاقتصادي، والفساد الأخلاقي، ومناهضة النظام والثورة. تُعدّ هذه المحاور الرئيسة الثلاثة التي يعتمدها مجلس صيانة الدستور في بتّ الأهلية، ونصرّ عليها بقوة». وبصفة عامة، فإن «عدم الالتزام العملي» بالإسلام وولاية الفقيه المطلقة يُعدّ أهم سبب لرفض أهلية المرشحين لخوض السباق الانتخابي. ويقول الناقدون إن القانون الحالي للانتخابات يفتقد الصراحة والشفافية اللازمتين في ما يخص معايير تشخيص هذا الأمر، وإن «صيانة الدستور» يفسره كيفما يشاء. يذكر أن تعديل قانون الانتخابات كان محلّ نقاش بين البرلمان و«مجلس صيانة الدستور» منذ سنوات، لكنه لم يصل إلى نتيجة. ويقرّ كدخدائي بأن القانون الحالي يجب تعديله لكونه لا يواكب، و«مراقبة الانتخابات تواجه مشاكل عديدة».

أفق التغیير
من المتوقّع أن تسهم الانتخابات البرلمانية المقبلة في تغيير تشكيلة القوى السياسية في البلاد بصورة جادة، وأن تنعكس نتائجها على الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في غضون أقلّ من سنة ونصف سنة. في الانتخابات السابقة، استطاعت القوى القريبة من الحكومة نيل كمّ لافت من الأصوات. على سبيل المثال، فإن جميع مقاعد طهران الـ30 ذهبت الى أنصار الحكومة وداعميها وتيار الوسط والإصلاحيين. حينها، فُسّر الأمر بتأثير «الأمل» الذي صنعه الاتفاق النووي قبل أيّ أمر آخر. لكن، وفي ظلّ تراجع مكانة الاتفاق بعد الانسحاب الأميركي منه، وإعادة فرض العقوبات، وتصاعد الانتقاد للأداء الاقتصادي لحكومة روحاني، فإن الوضع تبدّل خلال السنة الأخيرة. وعليه، يأمل المحافظون المعارضون للحكومة أن يتمكنوا في ظلّ المزاج الشعبي الجديد من تحقيق فوز جيّد في هذه الانتخابات، والإفادة من هذا الفوز كجسر لتحقيق النجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. الاحتجاجات الأخيرة، التي اندلعت عقب رفع أسعار البنزين، أعطت زخماً أكبر للتيارات الناقدة للحكومة لكي تتحرّك في الانتخابات. وفي موازاة التنافس الحزبي، ينظر أنصار النظام في طهران إلى محطة الانتخابات كموسم لتأكيد الطابع الجمهوري للنظام، إزاء عودة «الدعاية السلبية» التي حصدتها البلاد ممّا رافق الاحتجاجات وأعمال العنف الأخيرة، ولا سيما مع استمرار المواجهة مع الإدارة الأميركية.



التجديد النصفي لـ«خبراء القيادة»
بالتزامن مع انتخابات الدورة الـ11 للبرلمان، تجرى انتخابات التجديد النصفي للدورة الخامسة لـ«مجلس خبراء القيادة» في محافظات: طهران وخراسان الرضوية وخراسان الشمالية وفارس وقم. وكانت انتخابات «خبراء القيادة» قد أقيمت قبل ثلاث سنوات بالتزامن مع الانتخابات العاشرة للبرلمان، لكن مذاك توفي عدد من أعضاء المجلس، أشهرهم: أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمود هاشمي شاهرودي. ويتمتع «خبراء القيادة» بصلاحية عزل وتنصيب الولي الفقيه، وانتخاب خَلَف له في حالة وفاته. وهذا المجلس، وفقاً للقانون، يجب أن يراقب أداء المرشد الأعلى أو «القائد» كما يعرف في الجمهورية الإسلامية. وتقام انتخابات المجلس كلّ 8 سنوات، فيما تجرى انتخابات البرلمان كل 4 سنوات.


روحاني يعرض «موازنة الصمود»
قدّم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أمس، موازنة حكومته للعام الإيراني المقبل (يبدأ في 21 آذار/ مارس 2020)، بقيمة 4,845 تريليونات ريال إيراني (أكثر من 36 مليار دولار حسب سعر الصرف في الأسواق)، بأقلّ اعتماداً على النفط في تاريخ البلاد. ووصف روحاني الموازنة بأنها «موازنة المقاومة والصمود» في وجه العقوبات الأميركية، مشيراً إلى أنها تتضمّن زيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 15%، واستثمارات روسية تدخل 5 مليارات دولار إلى البلاد. وتُعدّ الموازنة الجديدة أكبر بـ 10% من ميزانية السنة المالية الجارية، قياساً بالعملة المحلية. وبحسب التقارير الإعلامية المحلية، فإن التقديرات الأولية لمبيعات النفط في الموازنة تتراوح بين 500 ألف ومليون برميل يومياً، علماً بأن طهران كانت تنتج يومياً أكثر من 2.5 مليون برميل، قبل العقوبات. وإذ أقر الرئيس الإيراني بالمشاكل التي تواجهها قطاعات النفط والمصارف جراء العقوبات، شدد على أهمية الصناعات الأخرى في البلاد، وقال: «بخلاف ما اعتقده الأميركيون بأن اقتصاد بلادنا سيواجه مشكلات جراء ضغط العقوبات، نشكر الله أننا اخترنا المسار الصحيح... ونمضي إلى الأمام».
(رويترز، أ ف ب)