تطوّر جديد على جبهة الحرب الأيديولوجية ـــــ الإعلامية الهادفة إلى مساواة العداء للصهيونية بالعداء للسامية، تمثّل في تصويت البرلمان الفرنسي على قرار، وهو بعكس أي نص قانوني ليست لديه صفة إلزامية، في الثالث من الشهر الجاري، بـ154 صوتاً من أصل 177، يتبنى فيه التعريف الغامض والتضليلي للعداء للسامية الذي يشيعه «التحالف الدولي لذاكرة الهلوكوست». وقد أدان 127 مثقفاً يهودياً، في مقالة نُشرت في اليوم نفسه، مبادرة غايتها «إسكات من ينتقد دولة إسرائيل خاصة منظمات حقوق الإنسان». إسباغ الشرعية على هذا الانزلاق اللغوي من «العداء للصهيونية»، أي رفض الأيديولوجيا التي تفترض أن اليهود غير قابلين للاندماج في بلدانهم الأصلية وأن عليهم إقامة دولة خاصة بهم، إلى «العداء للسامية»، وهو حال من العنصرية، يأتي كنتيجة لمعركة طويلة الأمد. إذ أطلقت مجموعة من التنظيمات والجمعيات والشخصيات الصهيونية الحملة الهادفة إلى المساواة بين العداء للصهيونية والعداء للسامية منذ سنة 2000. وأصدر «اتحاد الطلبة اليهود في فرنسا» وجمعية «إس. أو. أس عنصرية» كتاباً بعنوان «أعداء اليهود: الكتاب الأبيض عن أعمال العنف المعادية للسامية في فرنسا منذ أيلول 2000»، زعما فيه أن نمطاً جديداً من العداء للسامية نما متلطياً بأيديولوجية نزع الشرعية عن إسرائيل باسم الإسلام والنضال ضد الاستعمار ومناهضة العنصرية. ورأيا أن «العداء للسامية سيتراجع عندما سيتوقف العداء للصهيونية عن توفير الذرائع له. التهجم على اليهود بسبب تضامنهم مع دولة إسرائيل ليس بريئاً ولا إجبارهم على تبرير انتمائهم لإقصائهم عن الجماعة الوطنية». وذهب المفكر الصهيوني بيير أندري تاغييف، في الاتجاه نفسه في كتابه «العداء الحديث لليهود، تحولات الكراهية»، عندما رأى أن الأيديولوجيا التي تتهم إسرائيل بالعنف المنهجي وبممارسة التمييز العنصري وتدعو في صيغتها الأكثر راديكالية إلى إزالتها تشكّل «النمط الأخير من الكراهية القديمة والمتعدّدة الأشكال لليهود».
تحاول الدعاية الإسرائيلية الاستناد إلى نصوص قانونية لمحاربة «المقاطعة»

حظي خطاب مساواة العداء للصهيونية بالعداء للسامية بأول اعتراف رسمي فرنسي سنة 2004 عبر التقرير الذي أعدّه جان كريستوف روفان لوزير الداخلية، والذي يصف فيه «العداء الجذري للصهيونية بعداء غير مباشر للسامية»، لكن المرة الأولى التي أقدم فيها رئيس فرنسي على مثل هذه المساواة كانت سنة 2017. ففي خطاب ألقاه في 16/7/2017 بحضور بنيامين نتنياهو، أكد إيمانويل ماكرون تصميمه على «عدم تقديم تنازلات للعداء للصهيونية لأنها الشكل المستجدّ للعداء للسامية». ظن البعض آنذاك أن الأمر لا يتعدى ارتكاب ماكرون هفوة سياسية، لكن المؤرّخ دومنيك فيدال جزم في كتابه «معاداة الصهيونية =معاداة السامية؟ ردّ على إيمانويل ماكرون»، أن المساواة بين جناية (العداء للسامية) وموقف سياسي (العداء للصهيونية) تمثّل إنكاراً لوقائع التاريخ وخطأ سياسياً. ويذكر المؤلف أن الصهيونية بقيت تياراً هامشياً في مرحلة ما بين الحربين، لأن «الأغلبية الساحقة بين اليهود، 90% إلى 95% من يهود العالم، لا يؤيّدون مشروع تيودور هرتزل وذلك منذ عقد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول سنة 1897 وإلى سنة 1939». هذا لا يعني بالطبع أنهم كانوا معادين للسامية، إلا إذا اعتمدنا الخطاب المؤيد لإسرائيل الذي يتهمهم بـ«كره الذات». ويحذر فيدال أن مثل هذه المساواة ستفضي إلى إعادة الاعتبار قانونياً لمفهوم جريمة الرأي للمرة الأولى منذ حرب الجزائر.
بالخلط المتعمّد بين العداء للصهيونية والعداء للسامية، يحاول أنصار إسرائيل منع أي نقد لسياسة تل أبيب وتجريم حركة المقاطعة «BDS»، التي تسببت في خسائر لها بعشرات مليارات الدولارات سنوياً. الدعاية الإسرائيلية تحاول الاستناد إلى نصوص قانونية لمحاربة حركة باتت تُصنَّف على أنها «تهديد استراتيجي أساسي» من تل أبيب التي استصدرت قانوناً في آذار 2017 يحظّر دخول المواطنين الأجانب الذين يدعون للمقاطعة.