ترامب خفّف لاحقاً من لهجته، في مؤتمر صحافي مع ماكرون، إلا أن هذا الأخير أصرّ على تصريحاته. وقال: «تصريحي خلق ردود فعل من الكثير من الناس، لكنني متمسّك به». وأضاف: «العدو المشترك اليوم هو الجماعات الإرهابية، كما ذكرنا، ويؤسفني أن أقول إننا لا نتفق على التعريف نفسه للإرهاب»، مؤثراً توجيه نيرانه باتجاه تركيا، التي أشار إلى أنها هاجمت مقاتلين أكراداً دعموا الحلفاء ضد تنظيم «داعش». وأضاف: «عندما أنظر إلى تركيا، أرى أنها الآن تقاتل ضد من قاتلوا معنا. وأحياناً تعمل مع مقاتلين على صلة بداعش». وبينما جاء كلام ماكرون قبل اجتماع كان مقرّراً بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، فقد خيّمت هذه المعركة الثلاثية على القمة، ولا سيما أن إردوغان كان قد هدّد بتعطيل جهود «حلف الأطلسي» لتعزيز حماية جمهوريات البلطيق ضد روسيا، إلا إذا أعلن الحلفاء الآخرون أن المقاتلين الأكراد الذين قاتلوا مع القوات الأميركية والفرنسية ضد «داعش» في شمال شرق سوريا «إرهابيون».
من ناحية أخرى، كان الرئيس الفرنسي يريد إجراء محادثات استراتيجية عن مصير «الناتو»، تتمحور حول هوية أعدائه الحقيقيين، وكيفية محاربة الإرهاب، وما الذي يجب القيام به بشأن الحلفاء غير المتوقعين، وكيفية تحسين العلاقة مع روسيا، وذلك بدلاً من قضاء قمة ثالثة في سبيل مناقشة الموضوع المفضّل لدى ترامب، أي الإنفاق العسكري. وفي هذا المجال، سعى إلى تغيير أجندة الاجتماع عبر المطالبة بمراجعة استراتيجية «الحلف»، إلا أن ترامب الذي تفاخر بإجباره الدول الأعضاء على زيادة إنفاقها الدفاعي، انتقده بشدة. وفي مؤتمره الصحافي مع ستولتنبرغ، لم يغفل تكرار انتقاد «من لا يدفعون» جيداً في «الحلف الأطلسي»، وخصوصاً ألمانيا. ورحّب ترامب بالحصول على «130 مليار دولار» إضافية، في إشارة إلى المبلغ الإجمالي لما وافقت كندا والدول الأوروبية على إضافته الى موازناتها الدفاعية خلال 4 سنوات، لكنه أكد في الوقت نفسه أنه لا يزال «غير راضٍ».
أكد ستولتنبرغ أن على «الحلف» معالجة «التأثيرات الأمنية» لتصاعد الصين كقوة عسكرية
من جهته، أعلن ستولتنبرغ، أنه «لا يتفق» مع تصريح ماكرون، مضيفاً: «يجب عدم التشكيك بوحدة الحلفاء وعزمهم على الدفاع عن بعضهم البعض»، على اعتبار أن ذلك يشكل أساساً لمبدأ الردع. وأعرب ستولتنبرغ عن شكه في إمكان حلّ هذا الخلاف خلال القمة، آملاً أن يأتمنه الحلفاء خلالها على مهمة قيادة العمل على سبل تحسين التفكير الاستراتيجي داخل الحلف. كذلك، أكد ستولتنبرغ أن على «الحلف» معالجة «التأثيرات الأمنية» لتصاعد الصين كقوة عسكرية، إلا أنه أكد أنه لا يرغب في جعل الصين عدواً.
ومن المتوقع أن يوقع قادة الحلف على استراتيجية جديدة تتضمّن كيفية التعامل مع الصين ونفوذها المتنامي، ومناقشة سياسة الفضاء. وفي هذا السياق، قال ستولتنبرغ إن قدرات الصين العسكرية المتنامية ــــ بما فيها الصواريخ التي يمكن أن تضرب أوروبا والولايات المتحدة ــــ تعني أن على التحالف أن يعالج القضية بشكل جماعي. وأضاف: «الصين تملك ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم، وعرضت أخيراً الكثير من القدرات الجديدة والحديثة؛ بينها صواريخ طويلة المدى قادرة على الوصول إلى أوروبا بأكملها والولايات المتحدة».
في غضون ذلك، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن روسيا منفتحة على التعاون مع «حلف شمالي الأطلسي». وجاءت تصريحاته في منتجع سوتشي على البحر الأسود، حيث استغل المناسبة للإعراب عن أسفه للعلاقات المتوترة بين موسكو و«الأطلسي»، وقال إنه رغم محاولة روسيا اقتراح أجندة «بنّاءة»، إلا أن «تعاوننا منذ عام 2008 توقف بشكل شبه تام». وانتقد بوتين الحلف، الذي أغضب روسيا بتقوية وجوده في دول على حدودها، بسبب «تصرفه بشكل غير لائق وربما وقح، من دون أخذ المصالح الروسية في الحسبان». وقال إن روسيا «مجبرة على النظر إلى توسع الناتو، وتطوير بنيته التحتية العسكرية القريبة من حدودها على أنها أحد التهديدات المحتملة لأمن بلدنا». كذلك، أكد أن التحالف عفا عليه الزمن، وأضاف: «لا يمكن أن تكون القوالب النمطية للتفكير في السنوات الماضية أداة فعالة لاتخاذ قرارات فعالة في ظل الظروف السريعة التغير في العالم الحديث». وأشار إلى أنه بينما لم يعد «حلف وارسو» بشأن الدفاع الجماعي الموقّع بين الاتحاد السوفياتي والحلفاء الأوروبيين قائماً، فإن «الناتو» لا يزال يتوسّع.