طهران | بدأت وتيرة الاحتجاجات المتواصلة منذ الجمعة في إيران بالتراجع، لحساب مسيرات تأييد مضادة خرجت في الساعات الماضية. الاحتجاجات، التي شارك فيها عشرات الآلاف، حوّلت مدناً من بين 100 منطقة إلى ما يشبه ساحة حرب، بعد أن قام ملثّمون بإطلاق نار على قوات الأمن، وفق رواية السلطات المدعومة بمشاهد عُرضت على التلفزيون الإيراني. في الأثناء، يظهر النظام متماسكاً وغير متوجّس ممّا يجري، على رغم الإجراءات التي يتّخذها.تتمسّك الحكومة الإيرانية بقرارها رفع أسعار البنزين، مدعومة من مختلف مؤسسات النظام وشارع مضادّ مؤيّد، فيما تراجع منذ يوم أمس زخم الأعمال الاحتجاجية في البلاد، والتي رافقها سقوط قتلى وجرحى وتوقيفات أمنية، لا تزال أعدادها غامضة. وتفيد التقارير الإعلامية والأمنية في طهران بأن وتيرة الاحتجاجات بدأت تنخفض منذ صباح الثلاثاء، في ظلّ مشهد اصطفاف شعبي إلى جانب النظام ساعدت عليه مشاهدة أعمال شغب عنيفة طالت مدناً، خاصة إسلام شهر وقدس وشهريار في جنوب غرب العاصمة طهران، ومدينة شيراز حيث تمّ إحراق مراكز عامة وخاصة. وخرجت في مدينتَي تبريز (مركز محافظة آذربيجان الشرقية / شمال غرب) وزنجان (مركز محافظة زنجان/ وسط البلاد)، يومي الإثنين والثلاثاء، مسيرات شعبية تندّد بأعمال الشغب الأخيرة، وتطلق شعارات تأييد للنظام. ومن المتوقع تنظيم تظاهرات مماثلة بعد صلاة الجمعة هذا الأسبوع في المدن كافة. كل ذلك يقود، بالنسبة إلى مراقبين، إلى استبعاد تراجع الحكومة عن قرار تقنين البنزين وزيادة سعره في ظلّ الظروف الراهنة. وهذا ما شدّد عليه الرئيس حسن روحاني، الذي برّر القرار بأنه لم يحدث رفع أسعار للبنزين مدة أربع سنوات، وأن الزيادة سيتم توزيعها على الناس. وقال روحاني: «الاحتجاج حق لجميع المواطنين، ولكننا لن نسمح بزعزعة الأمن في المجتمع»، لافتاً إلى أن «هدف الحكومة في مشروع الدعم المعيشي هو دعم الأسر المتوسطة الدخل وذات الدخل المحدود، والتي تواجه ضغوطاً في ظلّ الحظر الاقتصادي».
وبيّن تقرير أمني نشرته وكالة «أنباء فارس»، الإثنين، أن من بين 1080 مدينة وقضاء في البلاد، شهدت أکثر من 100 نقطة تجمعات احتجاجية. ومنذ الجمعة حتى الإثنين يُقدّر مجموع المحتجين بحوالى 90 ألف شخص، 82 ألفاً منهم من الرجال. ولا يوجد إحصاء رسمي عن خسائر نتجت عن أعمال الشغب ونهب المراكز والمحال التجارية، لکنّ التقرير الأمني المذكور أشار إلى إحراق أكثر من 100 مصرف و57 مركزاً تجارياً خلال يومَي السبت والأحد في محافظة واحدة فقط، فيما هاجم مثيرو الشغب مخازن نفطية ومقارّ عسكرية في عدد من المدن، بينها سيرجان في محافظة كرمان.
من بين 1080 مدينة وقضاء شهد أکثر من 100 نقطة تجمعات احتجاجية


وكان التلفزيون الإيراني نشر، الإثنين، مقاطع فيديو لمسلّحين ملثّمين في مدينة أنديمشك التابعة لمحافظة خوزستان (جنوب غرب)، وأفاد بأن هناك تقارير مشابهة عن حوادث إطلاق نار من قِبَل مجهولين في عدد من المدن يومي السبت والأحد. وقال مصدر مطّلع في طهران، لـ«الأخبار»، إن مدينة إسلام شهر شهدت مساء الإثنين اشتباكاً مسلحاً بين قوات الأمن وعناصر مجهولة الهوية قُتل خلاله عدد من المسلحين. كذلك، أكد المتحدث باسم الحكومة، علي ربيعي، أن مثيري الشغب في بعض المدن «استخدموا الأسلحة النارية والباردة تكراراً».
وفي افتتاحيتها أمس، كتبت صحيفة «جمهوري إسلامي»، القريبة من الإصلاحيين، أنه لا شك في ضرورة تقنين البنزين وتعديل سعره، لكن ثمة تساؤلات جدية حول كيفية تطبيقه وزمن تنفيذه، مضيفة أن «المسؤولين في إيران إذا أرادوا أن يطبّقوا قراراتهم بشكل ناجح، فعليهم أن يوسّعوا نطاق نظرتهم إلى الأمور... ويجب عليهم أن يعرفوا أن المحتجين ليسوا فقط هم من نزلوا إلى الشوارع، وعليهم أن يجيبوا عن هذا السؤال، وهو أنه لماذا واجهت الحكومة ردّ فعل عنيفاً من قِبَل الناس؟»، مجيبة بأن «الشعب يعرف حسب خبرته أن ارتفاع أسعار البنزين لن يبقى محدوداً بأسعار الوقود، بل سيشمل قطاعات أخرى، وسيتسبّب في ارتفاع أسعار السلع الأخرى، ومن هذا المنطلق شعر الناس بقلق كبير تجاه مستقبلهم الاقتصادي».
النقاش المحتدم في إيران بدأ مع قيام حکومة روحاني بتقنین البنزین في خطوة فاجأت الشعب بأکمله، إذ لم يكن أحد مطّلعاً عليها إلا بعد أن استیقظ الجميع صباح الجمعة لیجدوا أنفسهم أمام أسعار جدیدة مثیرة، إذ خصّصت الحکومة 60 ليتراً لکل سیارة عادیة شهرياً بسعر 1500 تومان (12 سنتاً أمیرکياً) بعد أن کان ألف تومان، وحددت سعر 3000 تومان لما یزید على الحصة الشهریة المدعومة من الحکومة. وفي ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أغلبية الشعب (الحدّ الأدنى للأجور حوالى 120 دولاراً شهرياً)، دفعت الخطوة الحکومیة المفاجئة العشرات من الشباب للنزول إلى الشوارع في عدة مدن في محافظات شیراز وکرمان وخوزستان، وحتى في العاصمة طهران والبلدات المجاورة لها، کإسلام آباد وقدس وشهریار، إلى جانب مدن أخرى، للتعبیر عن احتجاجهم على قرار حکومة روحاني، فيما سجّل الأخير رقماً قیاسیاً في هبوط شعبیته إلى أدنى مستویات خلال تاریخ الجمهوریة الإسلامیة، بحسب أحدث استطلاع رأي أجرته جامعة طهران.
وبعد سريان إشاعات عن قیام عدد من أعضاء البرلمان بإعداد مشروع قانون یلزم الحكومة بإيقاف قرار زیادة أسعار البنزین، جاء موقف المرشد علي خامنئي لیفجّر مفاجأة ثانیة، حینما أعلن دعمه لـ«قرار السلطات الثلاث»، إذ قال، خلال الدرس الفقهي صباح الأحد، إنه لا یحمل تخصّصاً فی مجال البنزین وأسعاره لکونه اطّلع على آراء متباینة للخبراء في هذا المجال، إلا أنه في المحصلة یدعم قراراً اتخذته السلطات الثلاث بالإجماع، وهو «جاء بناءً على دراسة دقیقة، ولذا لا بد من تطبیقه». وأكد أنه یعلم أن المواطنین مستاؤون من القرار بسبب ظروف معیشیة صعبة للغاية، لکنه یرفض «أعمال الشغب والتخریب وإحراق الممتلکات العامة والخاصة». كلام المرشد جاء لینهي تكهّنات عن تراجع الحكومة، ويحسم الأمر بأنها لن تتراجع عن القرار، محصّناً بذلك موقفها. وحثّ خامنئي أعضاء الحکومة على السعي إلى الحدّ من آثار الخطوة الحکومیة، ومنها ارتفاع أسعار السلع الأخرى.