التظاهرات التي خرجت يوم السبت الماضي في فرنسا، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة «السترات الصفر»، أظهرت قدرة الحركة على الصمود على الرغم من الصعوبات التي تواجهها في كسب تأييد القطاعات الشعبية المهمّشة والمعرّضة لأنواع مختلفة من التمييز الطبقي والعرقي. هذه الحركة التي بدأت كردّ احتجاجي عفوي على قرار زيادة الضريبة على الوقود، استطاعت أن تحشد 28 ألف شخص في أنحاء مختلفة من البلاد على الرغم من اشتداد القمع البوليسي في الأشهر الأخيرة. وقد باتت مطالبها تتجاوز رفض زيادة الضريبة على الوقود، لتشمل إقرار مبادرة الاستفتاء الشعبي، وإعادة فرض ضرائب على الثروات الكبيرة، وتخفيض الضريبة على القيمة المضافة للسلع الأساسية. غير أن «السترات الصفر»، التي تنتمي غالبية أنصارها إلى الطبقات الشعبية القاطنة أطراف المدن أو الأرياف، لم تنجح في الربط بين نضالاتها وتلك التي يخوضها سكان الضواحي الشعبية. وكما يشير عالم الاجتماع الفرنسي، إيريك مارليير، فإن مشاركة أفراد من هذه الضواحي بشكل موسمي في تظاهرات الحركة لا تغيّر حقيقة أن غالبية سكانها تعزف عن ذلك، ولديها موقف حذر من الحركة. بعض «أطراف السترات الصفر»، كمجموعة منطقة رنجيس، عبّرت عن تضامنها مع سكان المناطق الشعبية من خلال الدعوة إلى المشاركة في تظاهرة أمهات مدينة مانت لا جولي ضد القمع البوليسي ومن أجل العدالة في الـ18 من هذا الشهر، لكن موقفها بقي معزولاً داخل الحركة. وبحسب مارليير، فإن هذه الحركة تضمّ أشخاصاً لم يسبق لهم أن أبدوا تضامناً مع سكان الضواحي الشعبية، وغالبيتهم من المهاجرين وأبنائهم. وهو يرى أن «احتجاجات تشرين الثاني 2005 كشفت عن عزلة حقيقية لشباب الضواحي الشعبية داخل المجتمع الفرنسي. لم يساند أحد هذه الاحتجاجات. وسائل الإعلام وكتّاب الافتتاحيات دانوا طابعها العبثي. الأحزاب السياسية تهجّمت عليها أو بقيت صامتة. كان من الممكن الحديث عن عزلة سياسية تامة للمحتجين».
الحركة تضم أشخاصاً لم يسبق لهم أن أبدوا تضامناً مع سكان الضواحي

صامويل هيات، الباحث في «المركز الوطني للبحث العلمي» والخبير في الشؤون السياسية، استخدم في مقال بعنوان «السترات الصفر والاقتصاد الأخلاقي والسلطة»، مفهوم «الاقتصاد الأخلاقي» الذي بلوره المؤرخ البريطاني أدوارد طومسون، لشرح القطيعة بين تصورات «السترات الصفر» وتلك الخاصة بسكان الضواحي الشعبية. الاقتصاد الأخلاقي هو مجمل التصورات السائدة اجتماعياً التي تفترض أن معيار الحكم على أداء الاقتصاد هو مدى انسجامه مع غايات أخلاقية. وإذا كان الكفاح ضد الفوارق الاقتصادية - الاجتماعية هدفاً مشتركاً، فإن قسماً آخر من مطالب «السترات الصفر» لديه مضامين محافظة ومتناقضة مع تصورات سكان الضواحي، خاصة بالنسبة إلى حرية الهجرة أو حقوق من يُحرم من حق اللجوء.
في الواقع، هناك اختلافات فعلية في ظروف الحياة والتصورات الاجتماعية بين الفئات التي تتشكّل منها «السترات الصفر» وسكان الضواحي الشعبية. وبسبب الماضي الاستعماري، فإن الأخيرين الذين يعانون من التمييز العنصري ما زالوا القطاع الأكثر عرضة للاستغلال في المجتمع الفرنسي. ويعتبر هيات أن «الهبّات التي تستند في دوافعها إلى الاقتصاد الأخلاقي لا تتحول بالضرورة إلى حركات ثورية، لأن تجديد العقد الاجتماعي يكفي لتهدئتها. وبهذا المعنى، وحتى لو أظهر الاقتصاد الأخلاقي قدرة الفعل الجماعية للشعب، وهامش استقلاليته الحقيقية عن الحاكمين، فإن وظيفته الفعلية في نهاية المطاف محافظة. هو قد يزعزع بشكل آني آليات العمل التقليدية للمؤسسات، ولكن غايته هي عودة النظام إلى ما كان عليه لا التغيير الثوري». هذا النمط من الهبّات الشعبية، وبسبب منطلقاته، قابل للاحتواء من قِبَل النظام، أما سكان الضواحي الذين يعانون من التهميش والتمييز فهم في علاقة «خارجية» مع السلطة ويعانون في آن واحد من الاستغلال الاقتصادي ومن الهيمنة الأيديولوجية للنظام. ذلك هو السبب - وفقاً للمفكر وعالم النفس ميغيل بناساياغ - الذي يجعل من فكرة الربط بين النضالات، إذا تجاوزنا الوحدة الشكلية في المطالبة بالحقوق، فكرة غير صائبة. وهو يرى في كتابه المشترك مع أنجيليك ديل ري، بعنوان «عن الالتزام السياسي في حقبة مظلمة»، أن الربط المفتعل والمجرد بين النضالات لا ينتج واقعاً سوى العجز عن الفعل السياسي.