منذ عدة سنوات، تسعى الصين إلى امتلاك عملة مستقلّة لضمان سيادتها الاقتصادية. بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، وقّع البنك الشعبي الصيني اتفاقيات ثنائية لتبادل العملات (اتفاقيات «سواب») مع البنك المركزي الأوروبي، ومع بنوك مركزية في البلدان الناشئة كتايلندا ونيجيريا أو الأرجنتين، هدفها تعزيز عملية تنويع الاحتياطي من العملات الدولية، واستخدام العملة الصينية على النطاق الدولي. شهد اعتماد استراتيجية تدويل الـ«رينمينباي» تسارعاً في خريف عام 2013، عبر إنشاء منطقة التجارة الحرة في شانغاي، والتي تسمح بحرية صرف اليوان الصيني واستخدامه في التبادلات التجارية، وهي مبادرة غايتها زيادة وزنه في النظام النقدي العالمي. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2016، تمّ الاعتراف باليوان كخامس عملة عالمية احتياطية. لكن دراسة صادرة في 15 تشرين الأول الماضي في «الفايننشال تايمز»، تستند إلى الأرقام الواردة في آخر تحقيق لبنك التسويات الدولية، أشارت إلى أن 88% من عمليات التبادل الدولية مسعّرة بالدولار، بينما لم تتجاوز حصة الـ«رينمينباي» منها الـ4%. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن الأخير لا يمثل سوى 2% من احتياطيات النقد الأجنبي. هذا النجاح الجزئي يعود، وفقاً لجان رفاييل شاربونيي، الاقتصادي والباحث في «مركز آسيا»، إلى السياق الاقتصادي الكلي للصين، والذي ساد لسنوات عدة، ولسبب سياسي كذلك. هو يرى أنه «ينبغي التذكير بأن للولايات المتحدة سوقاً مفتوحة وعملة قوية وعجزاً في الميزان الاقتصادي. الميزان التجاري يتحكّم بالعرض والطلب على العملات الأجنبية، ولكن المشكلة بالنسبة للصين كانت فائضها التجاري الذي مثّل، حتى عام 2008، 10% من ناتجها المحلي الإجمالي». وعلى الرغم من أن تراجع ميزان العمليات التجارية للصين إلى 1% يخرجها من وضعية المصدر الصافي، إلا أن هذا التطور لم يكن له سوى أثر محدود على سوق الـ«رينمينباي». فقد أدت التوترات التجارية الأميركية - الصينية إلى وقف نموّ ذلك السوق في نظر شاربونيي، الذي يعتقد أن «الريمنينباي مرتبط طبعاً بالعرض والطلب، ولكنه أصلاً خاضع للعامل السياسي. وللحصول على الاعتراف بعملة جديدة كوسيلة للدفع، يجب أن لا يكون سعر صرفها خاضعاً للتلاعب». لذا، يجزم أبرز الفاعلين في السوق أن استراتيجية تدويل «الرينمينباي» لن تكون قابلة للتطبيق الفعلي إلّا إذا توقفت السلطات الصينية عن السيطرة على عمليات التبادل التي تتمّ بهذه العملة. ووفقاً للاقتصادي، وبمعزل عن القرار الصيني السعي إلى تدويل «اليمنينباي» وما رافقه منذ عام 2016 من تسعير لأكثر من 25% من التجارة الصينية باليوان، فإن هذه الاستراتيجية قد أظهرت حدودها، لأن الصينيين يُقرضون بالدولار ويستَلِفون بهذه العملة في السوق الدولية. ويلفت شاربونيي إلى أن «مشروع طريق الحرير الاقتصادي والاستراتيجي، الهادف إلى ربط أوروبا وآسيا وأفريقيا وأستراليا، مموّل بالدولار أولاً من Exim Bank و Bank of China وChina Development Bank، والتي ساهمت جميعها بشكل رئيس في الاستثمارات والمشاريع التنموية التي يتضمنها هذا المشروع».
العملة الخضراء في موقع مهيمن إلى الآن، غير أن الصين قد تنجح في توسيع التعامل بـ«الرينمينباي» في المستقبل القريب. على المدى القصير، إذا نجح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الفوز برئاسة ثانية، واستمرت الولايات المتحدة في استخدام الدولار كسلاح استراتيجي دفاعاً عن مصالحها في العالم، فإننا نستطيع، في نظر جان رفاييل شاربونيي، أن «نفكر بجدية أكبر في فرضية انحدار الدولار بسبب أزمة سياسية أو جيوسياسية تؤدي إلى تراجع الثقة به كعملة». على المدى الطويل، يقدّر الخبراء أن هناك عاملين قد يؤديان إلى نهاية
سطوة الدولار المستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فمن جهة، الحاجات العالمية للسيولة تتزايد بسرعة مع تعاظم التجارة والعلاقات المالية الدولية، خاصة في آسيا الصاعدة وفي أوروبا. ومن جهة أخرى، فان انخفاض وزن الاقتصاد الأميركي سيقود تدريجياً إلى إعادة التوازن للنظام النقدي العالمي استناداً إلى عدة عملات.