طهران | تصاعدت الخلافات في إيران، مجدداً، حول الانضمام إلى اتفاقيّتَي «باليرمو» و«سي أف تي». جاء ذلك بعدما أمهلت «FATF»، التي تتخذ من باريس مقراً لها، في جلستها التي عقدتها يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر، إيران، أربعة أشهر (حتى منتصف شباط/ فبراير 2020)، في مهلة سادسة وأخيرة، كي تصادق على جميع القوانين المتعلقة بأساليب «FATF»، تحت طائلة إعادتها إلى «القائمة السوداء» للمجموعة.في أعقاب المهلة التي منحتها «مجموعة العمل المالي» (FATF) لإيران، أعلن النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، أنه «نظراً إلى المصادقة على لائحتَي باليرمو وسي أف تي في جلسة رؤساء السلطات الثلاث، وتأييد قائد الثورة الإسلامية (المرشد علي خامنئي)، يتعين على مجمع تشخيص مصلحة النظام أن يصادق على هاتين اللائحتين بأسرع ما يمكن». لكن «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، الذي يتولى وفقاً للدستور مهمة التحكيم في الخلافات التي تنشب بين «مجلس الشورى الإسلامي» (البرلمان) و«مجلس صيانة الدستور»، نفى في بيان تصريحات جهانغيري حول موافقة خامنئي على التصديق على اللوائح المتعلقة بـ«فاتف». وقال إن المرشد «لم يُدلِ بأي تصريح أو شيء مكتوب يدل على الموافقة على المصادقة وتنفيذ لائحتَي باليرمو وسي أف تي». كما أكد المجمع أنه «سيتابع جلساته ومناقشاته بخصوص هذه اللوائح بمنأى عن أيّ ضغوطات وممارسة نفوذ عليه، ومع الأخذ بعين الاعتبار المصالح القومية». من جهة أخرى، نفى المتحدث باسم السلطة القضائية، غلام حسين إسماعيلي، أن تكون تمّت المصادقة على هذه اللوائح في جلسة رؤساء السلطات الثلاث.
في الجانب الآخر، يصرّ مسؤولو الحكومة على ضرورة التصديق على هاتين اللائحتين. وقال رئيس الجمهورية، حسن روحاني، في اجتماع مجلس الوزراء، إنه يجب عدم السماح بتوجيه تهمة غسل الأموال لنا في ما يخص النظام المصرفي، وهذا مضرّ للبلاد. وتساءل: «لماذا يقوم البعض بوضع عراقيل أمام أربع لوائح صادقت عليها الحكومة ومجلس الوزراء، ويقفون بوجه الحكومة والبرلمان؟ إن إجراءات كهذه لا تخدم مصلحة البلاد». ويشير بذلك روحاني إلى اللوائح التي وضعتها الحكومة في ما يخص مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتمت المصادقة عليها في البرلمان.
المعارضون يرون أن الانضمام إلى الاتفاقيات يقطع طريق الالتفاف على العقوبات


ومن بين اللوائح الأربع التي قدمتها حكومة روحاني لخروج اسم إيران بشكل دائم من القائمة السوداء لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، فإن مصير لائحتين يواجه بعض التعقيدات. تمت المصادقة على هذه اللوائح في البرلمان، لكن «مجلس صيانة الدستور» رفضها، ولذلك أُرسلت إلى «مجمع تشخيص مصلحة النظام» لبتّها، لكن اتخاذ القرار النهائي في شأنها في «مجمع تشخيص مصلحة النظام» أرجئ لعدة مرات. وهاتان اللائحتان تشملان «باليرمو» (الانضمام إلى «معاهدة مكافحة الجريمة المنظمة المتعددة الأطراف») و«سي أف تي» (الانضمام إلى «معاهدة مكافحة تمويل الارهاب»). وتُعدّ اتفاقية «باليرمو» إحدى المعاهدات التي تدعمها الأمم المتحدة، والتي صودق عليها بهدف مكافحة الإتجار بالأشخاص والإنتاج غير الشرعي للسلاح والعتاد وتهريبهما. أما اتفاقية مكافحة تمويل الارهاب أو «سي أف تي»، فتُعدّ هي الأخرى إحدى معاهدات الأمم المتحدة التي تلزم الأعضاء بالحدّ من تمويل «المجموعات الارهابية»، وذلك من خلال مراقبة التبادلات المالية.

مؤيدون
بعد الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة «5 + 1»، قبلت إيران بأن تخرج من «القائمة السوداء» لـ«فاتف» من خلال قبول القوانين الدولية الخاصة بمكافحة الجرائم المالية، وأن تستفيد من المزايا المالية لذلك، إذ صدّق البرلمان على لائحتَي مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال، وأيّدهما «صيانة الدستور»، لكن لمّ تتم الموافقة النهائية حتى الآن على اللائحتين المتعلقتين باتفاقية «باليرمو» و«سي أف تي».
الموافقون على انضمام إيران إلى هاتين الاتفاقيتين، وهم من حكومة روحاني وحماتها، يرون أن هذا الإجراء ضروري للتعاون الاقتصادي مع الدول الأخرى، ولا سيما في مجال العلاقات المصرفية، وفي ما عدا ذلك، فإن الضغوطات الاقتصادية على إيران ستزداد. وفي معرض انتقاده للتوقف عن تصديق اللائحتين، قال مدير مكتب روحاني، محمود واعظي: «للأسف، لقد قاموا بتسييس هاتين اللائحتين المصرفيتين والاقتصاديتين، والذين يعارضونهما يجب أن يتحملوا مسؤولية هذه المعارضة». وفي ما يخص تمديد المهلة أربعة أشهر، لفت إلى أنه «إن لم يتم خلال هذه المهلة اتخاذ هذه الإجراءات، فإنه لن تعقد جلسة أخرى، وسنوضع في القائمة السوداء بصورة تلقائية، ونكون بذلك قد فرضنا حظراً على أنفسنا بأيدينا بشأن العلاقات المصرفية مع العالم». من جهته، اعتبر المتحدث باسم الحكومة، علي ربيعي، أن إدراج إيران على «القائمة السوداء» يعني أن «الهيمنة الاستخبارية للأجانب علينا ستزداد». وأضاف أنه «عندما نوضع على القائمة السوداء، فإنه سيتم تعقب الأموال التي نرسلها حتى لتوفير نفقات سجين إيراني واحد في دولة أخرى».

معارضون
في المقابل، المعارضون، ومعظمهم من القوى القريبة من التيار المحافظ وحرس الثورة، يرون أن الانضمام إلى هاتين الاتفاقيتين يؤدي إلى المزيد من مراقبة العلاقات الاقتصادية لإيران من قِبَل الدول الغربية، وبالتالي قطع طريق الالتفاف على العقوبات، والذي يُعدّ حاجة مُلحّة لإيران في الظروف الحالية. كذلك يقول المعارضون إنه في الوقت الذي لم تنتفع فيه إيران بشيء من التزاماتها في الاتفاق النووي، فإنها يجب أن لا تتقبّل التزاماً جديداً، ولا سيما أن القائمين على «فاتف» يقولون صراحة إنه لا توجد أيّ ضمانات لخروج إيران بالكامل من «القائمة السوداء» بعد انضمامها إلى هاتين الاتفاقيتين.
ويرى مجتبى ذو النوري، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، أن إدارة البلاد ستصبح أكثر صعوبة بكثير في حالة التصديق على اللوائح المتعلقة بـ«فاتف». وقال، في تصريح إلى وكالة «فارس»، إن «الغرب وأميركا يقرّان اليوم بأنه لا جدوى من العقوبات الأميركية على إيران، والحقيقة أن المصادقة على هذه اللوائح تفتح طريقاً لإحياء العقوبات الأميركية، إذ يريدون من خلال سي أف تي تحديد وغلق المسارات والطرق التي نقوم من خلالها بالالتفاف على العقوبات ولم تستطع أميركا غلقها».
كذلك اعتبر غلام رضا مصباحي مقدم، عضو «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، في حوار مع صحيفة «جام جم»، أن الاتفاقيتين «أداة بيد أميركا»، وأن المصادقة عليهما تُعدّ بمنزلة «أن نفرض نحن عقوبات على أنفسنا». واستبعد أي تخفيض في العقوبات مع الانضمام إلى هذه الاتفاقيات: «لا تتوافر إمكانية التبادل عن طريق جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت)، وأبواب سويفت موصدة بوجهنا، في حين ان إيران تخضع لأشد العقوبات وتراجعت مبيعات النفط بشدة، لكننا نصدّر 40 مليار دولار من السلع غير النفطية سنوياً ونستورد ما يساويها من سلع، أي إننا نعيش في هذا العالم وتحت ضغط العقوبات، لذلك فإن الانضمام إلى هذه الاتفاقيات هو بمنزلة إيجاد متاعب لأنفسنا وعدم التمتع بالالتفاف على العقوبات».
في المحصلة، تشي القرائن بأنه في الوقت الذي تمارس فيه الولايات المتحدة سياسة «الضغوط القصوى» على إيران، ولم تتمكن الأطراف الأوروبية من اتخاذ إجراءات مهمة للتعويض عن تبعات انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، فإن من المستبعد أن تكون طهران جاهزة لقبول التزامات جديدة، بما فيها الانضمام إلى اتفاقيّتَي «باليرمو» و«سي أف تي»، ولا سيما إن كان مقرراً أن لا تحصل في مقابل ذلك على امتيازات.