لم يأتِ تكليف رئيس حزب «الليكود»، بنيامين نتنياهو، مجدداً، مهمة تشكيل الحكومة، من منطلق أن الطريق معبّدة أمامه للقيام بذلك، بل من تبلور قناعة لدى رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، بعدم وجود أفق جدّي لخيار تشكيل حكومة وحدة، في ظلّ السقوف والشروط المتبادلة بين الطرفين، التي لم يبدُ أن الوقت كفيلٌ بحلّها. لذا، كان على رئيس الدولة إلقاء هذه المهمة على أحدهما، علماً أن ما يجري حالياً ليس له سابقة في تاريخ الكيان الإسرائيلي. وتنبع خصوصية المشهد الراهن من كون رئيس الحكومة المكلّف متّهماً بالفساد، فيما تشير كل التقديرات إلى أنه ستصدر بحقه لائحة اتهام خلال الأسابيع المقبلة. هذا الواقع ولّد دينامية سياسية داخلية سبّبت عمليتين انتخابيتين متتاليتين للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، فيما تلوح الثالثة في الأفق أيضاً. والسبب الأساسي، أن رئيس الحكومة عمل ولا يزال على منع أن تؤول الرئاسة إلى شخص آخر، لأن هذا سيؤدي إلى تجريده من الحصانة السياسية التي يراهن على أن تشكل سدّاً أمام محاكمته وزجّه في السجن، على أمل التوصل لاحقاً إلى صيغة ما تُغيّر المسار القضائي، مثل عفو رئاسي أو صفقة ادعاء.من الناحية القانونية، يختار رئيس الدولة، بعد إجراء مشاورات نيابية، عضو «كنيست» لتشكيل الحكومة، بناءً على مَن يرى أنه يملك فرصاً أفضل للقيام بهذه المهمة. ولا يشترط القانون أن يكون الرئيس المكلّف رئيساً لأكبر كتلة، لذلك جرى تكليف نتنياهو الذي يترأس كتلة «الليكود» من 32 عضواً، وتجاوُز بني غانتس الذي يترأس كتلة «أزرق أبيض» من 33 عضواً، علماً أنّ الأول كُلِّف تشكيل الحكومة عام 2009، عندما كان يترأس الكتلة نفسها بـ27 عضواً، فيما كان حزب «كديما» يملك 28 عضواً. ونال نتنياهو توصية العدد الأكبر من أعضاء «الكنيست» (55)، في مقابل 54 أوصوا بغانتس في أعقاب تراجع «التجمع الوطني الديمقراطي» (3 أعضاء) الذي يشكل جزءاً من «القائمة العربية المشتركة» (13 عضواً) عن تأييده، وهو ما غيّر المعادلة بين الاثنين. والجدير ذكره، أيضاً، أن من العوامل التي قد تكون حضرت لدى ريفلين، أنّ من بين النواب الذين وضعوا اسم غانتس عشرةً عرباً، وبالتالي فقد كان نتنياهو متفوقاً لجهة تسميته من قبل 54 صوتاً يهودياً، مقابل 44 صوتاً يهودياً لغانتس.
بات واضحاً أن لدى كلّ من المعسكرين المتقابلين قدرة تعطيل


بحسب النص القانوني، أمام المكلف مهلة 28 يوماً، يحقّ لرئيس الدولة تمديدها 14 يوماً، وأيضاً إعادة المشاورات لتكليف شخص آخر. خلال هذه المهلة، إذا فشل المكلّف الأول في تشكيل الحكومة يكون قد استنفد فرصه. وفي هذه الحالة، أمام الرئيس ثلاثة أيام أخرى للتشاور مع الكتل البرلمانية، يُكلَّف في أعقابها مرشح ثانٍ. ويُمنح المرشح الثاني، كذلك، مهلة 28 يوماً، وإذا فشل في مهمته يُمنَح «الكنيست» مهلة ثلاثة أسابيع لتسمية مرشح ثالث. وفي حال استنفاد الحلول القانونية، يُحَلّ الكنيست مجدداً، ويُدعى إلى انتخابات جديدة.

خيارات نتنياهو
بات واضحاً أن لدى كلّ من المعسكرين المتقابلين قدرة تعطيل، في ظلّ الانقسامات القائمة حالياً حول أكثر من عنوان وقضية، وعلى رأسها تولّي نتنياهو نفسه رئاسة الحكومة، وأيضاً نتيجة موازين القوى والتحالفات القائمة في «الكنيست». وعليه، فإن من السيناريوات المطروحة، أن يعيد نتنياهو التكليف بعد وقت قصير تفادياً لاستنفاد المدة القانونية (28 + 14 يوماً)، لكونه سيدلي بإفادته أمام المستشار القضائي للحكومة في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، على أن يعقبها في الأسابيع اللاحقة اتخاذ قرار حاسم في قضية تقديم لائحة اتهام. في هذه الحالة، يبادر رئيس الدولة، كما ينص القانون، إلى تكليف غانتس، الذي لا يُتوقع أن يتمكن من تشكيل الحكومة ما دام نتنياهو رئيساً لحزب «الليكود»، لكون ذلك يشكل عقبة من الصعب تجاوزها أمام الاتفاق على حكومة وحدة، وهو ما يعني العودة إلى سيناريو الانتخابات المبكرة. من الطبيعي، بالنظر إلى تلك المعطيات، أن تُمارَس الضغوط على الأطراف جميعها من أجل التراجع عن شروطها وسقوفها السياسة المرتفعة. كذلك يتوقع أن يحاول نتنياهو استغلال أي حدث أمني إقليمي لتقديم عروض لِمَن يبحث عن مبرر أمام جمهوره من أجل الانقلاب على شعاراته والالتحاق بحكومة زعيم «الليكود».
في الخلاصة، يبدو الكيان الإسرائيلي، في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، أمام منعطف جديد: إما باتجاه انتخابات مبكرة ثالثة ستكون لها أثمان سياسية واقتصادية إضافية، وإما باتجاه تنحّي نتنياهو عن منصبه، بغضّ النظر عن الصيغة والأسباب، وإما باتجاه انقلاب سياسي في إحدى الكتل يبرّر الالتحاق بحكومة برئاسة نتنياهو.