«مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» هي منظمة من المحافظين الجدد، تأسّست بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الإرهابية، ولديها منذ فترة طويلة هوس بإيران، كما أنها عارضت بشدة الاتفاق النووي معها. ولئن كان المدير التنفيذي للمؤسسة، مارك دوبوفيتز، قد انكشف على حقيقته، فإن ساعده الأيمن، الإيراني سعيد قاسمي نجاد، ظلّ حتى الآن بعيداً عن الأضواء، مع أنه لعب دوراً محورياً في توفير الادعاءات المشبوهة التي تستند إليها إدارة دونالد ترامب في دفع الأمور باتجاه الحرب مع إيران.وسعيد قاسمي نجاد هذا عضو في المعارضة المزيفة، مِمَّن يدعمون العقوبات الاقتصادية والضغط العسكري على إيران. كان قاسمي نجاد طالباً في الهندسة المدنية في جامعة طهران. وفي عام 2002، قام بالتعاون مع زميل له اسمه مير حسين إعتمادي، أحد المقيمين في أميركا من أنصار رضا بهلوي (نجل شاه إيران محمد رضا بهلوي)، بإصدار نشرة بعنوان «فردا» (غداً) يتبنّيان فيها «الليبرالية»، والمقصود بالكلمة هنا المغامرات العسكرية من النوع الذي يفكر به المحافظون الجدد المنادون بـ«التدخل الليبرالي» لينشروا الديمقراطية بالقوة. كذلك، ساند قاسمي نجاد اجتياح العراق عام 2003، وفي مقال عنوانه «ما هي أسباب الهجوم الأميركي القادم على إيران»، أوصى بشكل غير مباشر بشن حملة عسكرية على وطنه الأصلي.
غادر قاسمي نجاد إيران عام 2008 بحجة شكلية هي متابعة دراسته، متجهاً أولاً إلى فرنسا ثم إلى الولايات المتحدة. ومنذ وصوله إلى الأخيرة، وهو لا ينفك يدعو بشدة إلى العقوبات الاقتصادية والحرب ضد إيران. وكتب وأمثاله من «الليبراليين» رسالة مفتوحة إلى الرئيس باراك أوباما يقول فيها: «نعلم جميعاً أن بقاء العالم مكتوف الأيدي في العقد المنصرم أدى إلى تسلح كوريا الشمالية بالسلاح النووي. ونعتقد أن وصول جمهورية إيران الإسلامية إلى امتلاك هذا السلاح، بالإضافة إلى أسلحة تقليدية أخرى، يمثل تكراراً للخطأ الفادح نفسه للمرة الثانية، ولا بد من الحيلولة دون ذلك». وحذرت الرسالة من أن رد إيران على مساعي أوباما للتفاوض سيتمثل بـ«المضي قدماً في برنامجها النووي حتى امتلاك السلاح النووي». وهذا هراء تام، حيث كانت «تقديرات الاستخبارات الوطنية» قد صرحت بأنه لو كان لإيران برنامج نشط من البحوث الهادفة لوضع سلاح نووي فلقد توقف عام 2003، وهو ما أكدته مجدداً عامي 2010 و2012.
كرر قاسمي نجاد هذه النظرة المضللة والعدوانية والكاذبة عن إيران بشكل متواتر في جملة من المقالات. ففي عدة مقالات نشرت قبل اعتماد «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ادعى أن لدى إيران برنامجاً نووياً عسكرياً، وأن المجابهة العسكرية مع هذا البلد آتية لا محال. وفي مقال نشره على موقع إيراني سابق، اسمه «روز» واختفى أثره اليوم، قال: «في نهاية المطاف، لن تجبر العقوبات إيران على التخلي عن برنامجها للسلاح النووي، فصناعة سلاح نووي هدف لن تتوقف إيران عن العمل باتجاهه. وعلى المجتمع الدولي أن يختار بين إيران نووية أو المواجهة العسكرية مع هذا البلد. أعتقد أن العالم لن يوافق على إيران نووية وبالتالي فلا بد من التحول إلى المواجهة العسكرية».
وبعد إصدار وكالة الطاقة الدولية تقريراً في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 حول برنامج إيران النووي، أصدر قاسمي نجاد وزمرة من الإيرانيين من ذوي الاتجاهات نفسها تصريحاً غير دقيق يعلنون فيه أن «التقرير الأخير لوكالة الطاقة الدولية يوفر الإثباتات على أن جهود الحكومة الإيرانية الحثيثة في تحويل البرنامج النووي إلى برنامج عسكري قد بلغ مرحلة حاسمة». كما تضمن التصريح كذبة وقحة مفادها أن «حكام إيران الحاليين، بخطاباتهم المعادية وبرفضهم التعاون مع الوكالة، يزيدون يوماً بعد يوم من مخاطر المجابهة العسكرية». كل ذلك كان يتم في حين كانت إيران تحت رقابة شديدة من طرف وكالة الطاقة الدولية منذ شباط/ فبراير 2003.
وفِي مقابلة مع «مشروع كليريون»، وهو موقع يميني متطرف على الإنترنت، قام قاسمي نجاد وسارة أكرمي، عضو آخر من المجموعة المذكورة آنفاً تحت اسم «طلاب ليبراليون»، بالإدلاء بالتصريح التالي: «تخيلوا اللحظة التي ستحقق فيها الحكومة الإيرانية حلمها بإنجاز ما تسميه "البرنامج النووي السلمي" ونسميه نحن قنبلة نووية. فالمنطقة بأسرها سوف تشتعل». بعدما عيّن الرئيس أوباما، تشاك هيجيل، وزيراً للدفاع في كانون الثاني/ يناير 2013، كتب قاسمي نجاد في صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»: «مجرد التوقع بأن هيجيل سوف يستلم هذا المنصب بدأ يؤثر سلباً على الجهود الرامية لحمل إيران على وقف برنامج أسلحتها النووية. هذا التعيين رسالة موجهة إلى إيران بأن الرئيس أوباما غير جاد في ما أعلنه من موقف معارض للبرنامج الحكومي الإيراني حول السلاح النووي».
ويقدم قاسمي نجاد نفسه على أنه خبير في شؤون الفساد الاقتصادي في إيران. ومع ذلك، حتى في هذا الموضوع، فإن قاسمي نجاد يكذب. وعلى سبيل المثال، نشر دعاية حول ثروة (المرشد علي) خامنئي التي تناهز الـ100 مليار دولار، والتي زعم أنه سلبها من الشعب الإيراني. والواقع مختلف تماماً. فدستور الجمهورية الإسلامية يمنح خامنئي سلطة الإشراف على عدة مؤسسات كبرى تُقدّر قيمتها بحوالي 100 مليار دولار. ولكن هذه الأصول ليست ملكاً لخامنئي بل للدولة. أما هو فيعين المدراء وكبار المسؤولين الآخرين فيها. واستمرت حملة قاسمي نجاد من الأكاذيب حتى توقيع الاتفاق النووي في تموز/ يوليو 2015، وهو الأمر الذي أسكت المعارضة المزيفة مؤقتاً. ولكن بعد انتخاب ترامب رئيساً في 2016، كان من الواضح أنه سيجعل الولايات المتحدة تنسحب من الاتفاق، وبالتالي قام عندها قاسمي نجاد وأمثاله بتصعيد حملتهم من جديد.
ارتبط قاسمي نجاد بمشروع دعاية غير قانوني على ما يبدو، بتمويل من وزارة الخارجية الأمريكية، هدفه التهجم على كل من يعارض سياسة الصقور الموجهة ضد إيران، سواءً من الإيرانيين أم مزدوجي الجنسية إيرانيين وأميركيين، فرادى وجماعات في الولايات المتحدة. وكشفت صحيفة «ذي إندبندنت»، في تقرير لها الشهر الماضي، عن شخص منتمٍ إلى «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، يعمل كطرف في مشروع للتضليل الإعلامي، تقوم به «الهيئة الإلكترونية التشاركية للتربية المدنية». وهو مشروع أصبحت التسريبات عن نشاطه وتمويله بمبلغ 1.5 مليار دولار سنوياً من الإحراج لإدارة ترامب إلى درجة جعلت الخارجية تعلّق التمويل. وذكرت المحررة الرئيسة للتقرير المذكور لموقع «لوبلوغ»، نكار مرتضوي، أن أحد العاملين في الكونغرس أخبرها أن هذا الشخص هو بالفعل قاسمي نجاد، وأنه يعمل لصالح إحدى الشخصيات التي تدير المشروع، وهي الناشطة الإيرانية الأميركية مريم معمار صادقي. ومن الملفت للانتباه أن عدة مقالات بقلم قاسمي نجاد نشرت بشكل متزامن على موقع الحملة الإلكترونية المضادة لإيران وموقع «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات».
وفضلاً عن مهاجمة الإيرانيين المناهضين لفكرة المواجهة مع إيران، فإن معمار صادقي لم تخف تمنياتها بالحرب على إيران. وقالت معللة إن «الحرب هي مقدمة للسلام». وألقت في إحدى المرات خطاباً تقول فيه: «لو ألقينا نظرة إلى التاريخ، لرأينا أن الحرب كانت على الدوام توطئة لتحسين المعيشة وأحوال البلدان والأمم... لا شك في أن الحرب أمر رهيب، وأن علينا قدر الإمكان تفاديها، ولكن في بعض الحالات والظروف يستحيل على الناس استعادة كرامتهم بغير الحرب. بل وأضيف أن السعي للسلام من أجل السلام فقط أمر مملّ. وكما قال مارك توين : لو كتب لي أن أذهب إلى الجنة لشعرت بملل شديد هناك» (وفي الواقع لم يقل مارك توين ذلك إطلاقاً). وكون قاسمي نجاد قد اختار التعاون مع هذه السيدة، فهذا معناه أن الخبير في الشؤون الإيرانية في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» يتبنى الآراء المتطرفة نفسها، علماً أن المؤسسة نفت أي علاقة تنظيمية لها مع الحملة الإلكترونية لمهاجمة إيران.
مؤخراً، تحول موقف ترامب إلى التصريح بأنه لا يريد الحرب مع إيران، وبدأت المعارضة المزيفة عندها بتغيير نغمة تصريحاتها. وعندما يكتب قاسمي نجاد باللغة الفارسية فهو يبدو معتدلاً، إذ يغرد على «تويتر» بأن «العقوبات ستضعف الجمهورية الإسلامية، والضغوط الدبلوماسية ستضعفها. والضغط العسكري عليها في المنطقة سيضعفها. ولكن أياً من هذه العوامل لن يستطيع الإطاحة بالجمهورية الإسلامية. في نهاية المطاف يتعين على الأمة الإيرانية إما أن تطيح بها أو تتعايش معها». وفوراً بعد هذه التغريدة، كتب قاسمي نجاد بالإنكليزية: «تعتبر طهران أن اعتداءاتها في الخليج الفارسي قد جعلت واشنطن تتوق بشكل أكبر إلى التفاوض معها والى اللين في الخطاب الموجه لها. كما أنها وظفت فريقاً كاملاً من المعلقين ليسعوا بكل ما لديهم من حجج إلى نفي مسؤولية إيران عن الاعتداءات. والنتيجة الوحيدة التي يمكن أن تستخلصها من ذلك هي أن اعتداءاتها أثبتت فعاليتها». بمعنى آخر، على واشنطن أن تزيد من تشددها في التعامل مع طهران.
(محمد سهيمي، أستاذ محاضر في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلس، موقع orientxxi، ترجمة: ندى يافي، بتصرف)