بلغ التوتر في شرق آسيا، خلال اليومين الماضيين، مستوى مرتفعاً جديداً، إثر اعتراض كوريا الجنوبية طائرة روسية فوق منطقة متنازع عليها بين سيول وطوكيو، توازياً مع زيارة لافتة وغير مسبوقة لمستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، لكوريا الجنوبية. خطوة سيول التصعيدية كان مبررها الرسمي «انتهاك» الطائرة الروسية المجال الجوي الكوري الجنوبي، لكن رواية موسكو للحادثة أشارت إلى أن «معطيات وسائل المراقبة الجوية دلّت على أنه لم يحصل انتهاك للمجال الجوي لأي بلد».وأدت المهمة التي كانت الطائرة الروسية تنفذها دوراً مهماً في رفع حساسية الاعتراض الكوري؛ إذ كانت القاذفة الاستراتيجية (من طراز تو 95) تشارك مع طائرة روسية أخرى وطائرتين من القوات الجوية الصينية في «دورية» جوية، ضمن برنامج ثنائي مشترك، روسي ـــ صيني، في أجواء شرق آسيا والمحيط الهادئ، وهو ما دفع أوساطاً روسية إلى اعتبار تحرك سيول خطوة أميركية. مع ذلك، اتجهت التصريحات الرسمية التي خرجت من موسكو نحو محاولة احتواء الأزمة ومنع الانجرار إلى تصعيد واسع مع سيول، على رغم نفيها ما أشيع سابقاً عن «اعتذار» قدمته السفارة الروسية في كوريا الجنوبية. ولم تشر موسكو في تصريحاتها الرسمية إلى أي خلل في «الأجهزة»، وفق الرواية المضادة، ولم تعلن إجراء أي تحقيق، ولم تعترف حتى باختراق المجال الجوي الكوري الجنوبي. أكثر من ذلك، ذهبت روسيا في اتجاه اتهام طيّاري «الجنوب» بتهديد سلامة طائرات روسية، وهو ما ردت عليه وزارة الدفاع في كوريا الجنوبية بالقول إن «ادعاء روسيا عدم انتهاك المجال الجوي ما هو إلا تشويه للحقيقة».
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أصدرت بياناً يوم الحادثة (أول من أمس) قالت فيه إن الدورية المشتركة بين روسيا والصين «تحركت على مسار خُطِّط له مسبقاً فوق مياه بحر اليابان وبحر الصين الشرقي»، مشددة على أن «طائرات كلا البلدين عملت خلال تنفيذ مهماتها بالتوافق التام مع بنود القانون الدولي». وأشارت إلى أن «هدف تسيير الدورية المشتركة تعميق علاقات الشراكة الروسية ــــ الصينية الشاملة، ومواصلة رفع مستوى التنسيق بين القوات المسلحة للبلدين، وتنمية قدراتهما على إجراء عمليات مشتركة، وكذلك تعزيز الاستقرار الاستراتيجي العالمي»، مضيفة أن العملية «نُفذت في إطار تطبيق خطة التعاون العسكري بين البلدين الموقعة في عام 2019، ولا تستهدف أي أطراف أخرى».
تعكس الأوساط الروسية التوجه الرسمي إلى تخفيف التوتر مع كوريا الجنوبية


وأكدت أن «هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الطيارون الكوريون الجنوبيون عرقلة تحليق الطيران الروسي فوق المياه الدولية في بحر اليابان، مبررين إجراءاتهم بما تسمى (منطقة الدفاع الجوي)، التي أقامها الطرف الكوري الجنوبي بصورة أحادية الجانب، وبما يخالف القواعد الدولية»، وهو الأمر الذي لا يعترف به الاتحاد الروسي (إقامة مناطق دفاعية أُحادياً) وفق البيان. من جهته، رأى نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما، آلكسي شيبا، في حديث إلى صحيفة «إيزفستيا» الروسية، أن خطوة كوريا الجنوبية يجب تصنيفها في خانة «سوء التفاهم»، مستبعداً أن تؤدي إلى تعقيد العلاقات بين بلاده وكوريا الجنوبية، لافتاً إلى أن «سيول تُعَدّ شريكاً اقتصادياً وسياسياً مهماً لموسكو، والأخيرة ليست مهتمة بإثارة التوترات في المنطقة».
لكن محاولات روسيا لتهدئة الوضع قابلها دخول أميركي تحريضي على الخط، عبر مستشار الأمن القومي جون بولتون، الآتي من طوكيو إلى سيول، الذي دعا في اجتماع مع نظيره الكوري الجنوبي، أمس، إلى «ضرورة التعاون الوثيق للرد على حوادث في المستقبل مماثلة للاختراق الأخير من طائرات صينية وروسية لمنطقة تحديد الدفاع الجوي في كوريا الجنوبية». خلفيات الدعوة الأميركية يوضحها الباحث في «معهد دراسات الشرق الأقصى» التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فاسيلي كاشين، في حديث إلى صحيفة «كوميرسانت» الروسية، حيث يقول إن «وجود قاذفتين صينيتين في المهمة الدورية أدى إلى سعي كوريا الجنوبية إلى عرقلة هذا الاتجاه الجديد من التعاون بين موسكو وبكين، وعلى الأرجح بناءً على طلب من أصدقاء سيول الأميركيين»، فيما برز رأي روسي آخر قرأ الخطوة «التحريضية» الأميركية على أنها محاولة من واشنطن لجرّ موسكو إلى الصراع مع كوريا الشمالية. ووفق مقال نشرته صحيفة «نيزفيسمايا غازيتا» الروسية، فإن «الأميركيين أصدروا قراراً يقضي بالتدقيق في المساعدات الروسية لبيونغ يانغ»، وإن الهدف من هذا القرار «التضييق على موسكو وجرّها إلى صراعٍ مع الكوريين الشماليين».



بكين تدعم موقف موسكو
في أول رد فعل لها على الحادثة، وجّهت اليابان احتجاجاً إلى كل من سيول وموسكو، على اختراقهما مجالها الجوي أثناء احتكاك مقاتلاتهما فوق أجواء الجزر المتنازع عليها بينها وبين كوريا الجنوبية. ونقلت وكالة «كيودو» عن الحكومة اليابانية قولها إن «مثل هذه التصرفات فوق أراضينا غير مقبولة ومؤسفة للغاية»، مضيفة أن الاحتجاج نُقل عبر القنوات الدبلوماسية. أما الصين، الحليفة لروسيا وشريكتها في الدورية الجوية، فقد دافعت عن التدريبات. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، وو تشيان، إن الطيارين «يلتزمون بشدة القواعد التي يفرضها القانون الدولي، ولم يدخلوا المجال الجوي لبلدان أخرى»، مؤكداً أن «القوات المسلحة لروسيا والصين ستواصل تحسين العلاقات العسكرية، وتعزيز دعم بعضهما البعض، وتكثيف آليات التعاون الاستراتيجي».