استفزّ موقف مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، الذي رأى في كلامها عن أن أطراف الاتفاق النووي «لا ترى الخروقات الإيرانية انتهاكاً كبيراً» مؤشراً على تكرار ما حصل في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما عمدت الدول الأوروبية إلى استرضاء ألمانيا و«كأن هناك من دفن رأسه في الرمل ولم يرَ الخطر الوشيك». مقارنة ليست حالة مستجدة في خطاب نتنياهو السياسي، بل هي ترجمة لتكتيك سياسي إعلامي يستهدف استفزاز الرأي العام الأوروبي، والضغط على الحكومات الأوروبية لدفعها نحو خطوات أشد في مواجهة إيران.يريد نتنياهو، من وراء هذه المقارنة، توظيف الذاكرة الأوروبية في الموقف من ألمانيا النازية في اتجاه التعبئة ضد خيارات إيران. وينطلق في ذلك من أن عدم مسارعة الدول الأوروبية في حينه إلى كبح التوسع الألماني أدى تدريجاً إلى الحرب العالمية الثانية، وهو ما ينسحب ــــ من وجهة نظره ــــ على تصاعد قوة إيران واتساع نطاق نفوذها. وفي هذا السياق، اعتبر نتنياهو أنه «على ما يبدو هناك في أوروبا من لن يصحو إلا بعد سقوط الصواريخ الإيرانية النووية على أراضي أوروبا، وعندها سيكون قد فات الأوان».
ما تشهده الساحتان الدولية والإقليمية كان من السيناريوات المستبعدة في إسرائيل


يأتي هذا التباين بين طموحات نتنياهو والموقف الأوروبي في سياق الاعتراض الإسرائيلي على ردة الفعل المتواضعة للدول الأوروبية على تخفيض إيران التزاماتها النووية. إلا أن العنصر الأهم في هذا المشهد، من زاوية إسرائيلية، هو أن ما تشهده الساحتان الدولية والإقليمية، بما فيها الملف النووي، كان من السيناريوات المستبعدة من قِبَل القيادة السياسية، وتحديداً نتنياهو، في إسرائيل. في هذا الإطار، أكدت القناة «12» في التلفزيون الإسرائيلي أن إسرائيل «لم تكن تريد أن ينهار الاتفاق النووي، كانت تريد أن تواصل إيران العمل تحت قيود الاتفاق، وانتظار اللحظة التي تتهيأ فيها الأمور مع ترامب، وتحصل محادثات على تعديل الاتفاق». وكان نتنياهو قد عبّر أيضاً عن هذه الرؤية بعد أسابيع من فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية في عام 2016، في مقابلة مع شبكة «CBS» الأميركية، بالحديث عن «خمس أفكار» لديه لإلغاء الاتفاق النووي، من دون أن يفصح عن محتواها في حينه. وفي ما يتعلق بإمكانية رد إيران على خرق الولايات المتحدة للاتفاق، رأى نتنياهو في حينه أن إيران مردوعة عن هذا المسار. وانطلاقاً من هذا التقدير، كان يفترض أن تبقى طهران أسيرة قيود الاتفاق، على رغم إعادة فرض العقوبات عليها، وخروج واشنطن منه، وهو ما سيبقيها، بحسب خطة نتنياهو ــــ ترامب، تحت الضغط الاقتصادي الذي يعرقل تقدمها العلمي والعسكري والاقتصادي ودعم حلفائها في المنطقة، وفي الوقت نفسه مقيدة عن المبادرة إلى أي تقدم نووي تخشى إسرائيل من مفاعيله، حتى لو أن إيران لا تريد إنتاج أسلحة نووية. يبدو أن مضمون هذا الرهان كان حاضراً بشكل أو بآخر أيضاً لدى الجهات الأوروبية، والمؤشر القوي على ذلك أنها لم تتحرك بشكل جدي (بغض النظر عما سينتج من هذا الحراك) قبل خرق إيران قيود الاتفاق. وبعد ذلك، أدركت أن طهران عازمة على مواصلة هذا المسار، وهو ما دفع موغيريني إلى القول إن الاتفاق ليس في وضع جيد، ولكنه «لا يزال حياً، ولا يمكن تحديد إن كان في ساعته الأخيرة».
يبقى الاهتمام الإسرائيلي منصبّاً على المرحلة المقبلة من رفع درجة تخصيب اليورانيوم، والتي ستشكل محطة تصاعدية إضافية. وفي هذا الإطار، تسعى إسرائيل إلى أن تتحول تلك المحطة إلى نقطة تحول في الموقف الأوروبي عبر تفعيل آلية النزاع، على أمل أن يؤدي ذلك إلى عودة الملف النووي إلى مجلس الأمن وإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران. لكن في المقابل، تدرك أوروبا أن إيران لديها من الأوراق المضادة (الخروج نهائياً من الاتفاق مثلاً) ما سيشكل، في حال تفعيله، تغييراً جذرياً للمشهد القائم الآن. وبفعل هذه المخاوف، تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى التوصل إلى صيغ مقبولة، لكن إن لم تنجح محاولاتها، وهو المرجّح، فإن هذا سيؤدي إلى رفع درجة التوتر الإقليمي والدولي، ويدفع إيران إلى الارتقاء في مستوى الضغط المضاد الذي تمارسه على الأطراف الدولية، في مقابل الحرب الاقتصادية التي تتعرض لها.