كشفت حادثة احتجاز ناقلة النفط الإيرانية العملاقة «غريس 1» حجم الأزمة بين طهران والترويكا الأوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا)، لتؤكد ضآلة فرص الحل، وانسداد أفق المحادثات الجارية بين الطرفين، في ظلّ اقتراب انتهاء مهلة إيران (الأحد المقبل) للذهاب إلى مزيد من التخفف من التزامات الاتفاق النووي. فأمس، لم تضرب بريطانيا، وهي أحد أطراف الاتفاق، عرض الجدار بتعهداتها لإيران بالالتزام بمفاعيل الاتفاق، فحسب، بل ذهبت حتى أبعد من الالتزام بالعقوبات الأميركية، إلى الإقدام على خطوة لم تجرؤ عليها السلطات الأميركية نفسها، والقوات الأميركية المنتشرة في كامل الممرات المائية الدولية، نحو المبالغة في تنفيذ هذه العقوبات.الخطوة لا بد أن تُقرأ في طهران كرسالة شديدة اللهجة، قد تُعجّل من رد الفعل الإيراني بالانسحاب من الاتفاق النووي. لكن في الوقت نفسه، فإن تصرّف لندن، التي لطالما استخدمت لهجة أكثر تشدداً مع طهران من شركائها الأوروبيين الآخرين، ربما تكون عبر هذه الرسالة تحاول أن تمنع إيران من مواصلة برنامجها للتحلّل من الالتزامات النووية، ودفعها إلى التراجع عن زيادة نسبة التخصيب. وإن عزت لندن عملية مشاة البحرية الملكية البريطانية إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا ومصفاة بانياس، لا العقوبات الأميركية الخاصة بتصدير النفط الإيراني، فإن من الصعب فصل المسارين بعضهما عن بعض في ظل التوتر الإيراني الأميركي، وهو ما يعزّزه تصريح وزير الشؤون الخارجية الإسباني، جوزيب بوريل، بأن احتجاز سلطات جبل طارق للناقلة «جاء بطلب من الولايات المتحدة».
وصفت الخارجية الإيرانية ما جرى بـ«القرصنة»


وما لا يدع مجالاً للشك حول حجم خطورة الحادث، أمران: الأول، أن السفينة كانت تستخدم وسائل التمويه الإيرانية للالتفاف على العقوبات عبر رفع علم بنما وتغيير الوثائق، ورغم ذلك سجلت بريطانيا سابقة في تطبيق العقوبات بهذه الطريقة الصارمة، بل بحسب البعض فإنها أول عملية أمنية منذ زمن بعيد، بهذا الشكل وهذا الحجم، للقوات البريطانية المنضوية في «الناتو». الثاني، أن طهران سارعت إلى تبني السفينة، واستدعت وزارة خارجيتها على عجل السفير البريطاني لديها، وأسمعته اعتراضها «الشديد على الاحتجاز غير القانوني وغير المقبول» واصفة إياه بـ«القرصنة». ووصف متحدث باسم الخارجية ما جرى بأنه «أمر مدمّر قد يزيد التوتر في الخليج».
مع هذا التطور، تزجّ بريطانيا نفسها في الحملة الأميركية على إيران، على عكس التوجه الغربي الذي ساد، سواء في الاتحاد الأوروبي أو «الناتو»، لجهة التمسك بـ«الحياد» ودور الوسيط، كما سمع وزير الدفاع الأميركي بالوكالة في اجتماع الحلف الأخير، حين رفض الأعضاء الأوروبيون المشاركة في تحالف أمني في الخليج لمواجهة الهجمات الإيرانية على السفن. ويأتي احتجاز ناقلة النفط الإيرانية بعد أيام من تهديد المبعوث الأميركي الخاص بإيران، براين هوك، بفرض عقوبات على أي مستورد للخام الإيراني ولو كان من الحلفاء. لكن، وعلى الرغم من تصريحات هوك التي ترافقت مع تقارير تكشف عن استمرار شراء الصين للنفط الإيراني، ثمة إشارة معاكسة ظهرت. إذ كشفت «بوليتيكو» الأميركية أن البيت الأبيض يدرس إعفاء الصين من العقوبات على النفط الإيراني، بما يسمح لها باستيراد الخام على شكل دفعات عينية لسداد ديونها، وذلك نقلاً عن مسؤولين أميركيين أرجعوا إمكانية إصدار الإعفاء لجملة أسباب، أهمّها عدم السماح لبكين بتحدّي العقوبات الأميركية بشكل علني.