لم توفر الولايات المتحدة، في سياق محاولاتها إسقاط النظام الفنزويلي، وسيلة إلا استخدمتها، بدءاً من تشديد الحصار الاقتصادي، مروراً بـ«حرب الماء والكهرباء» التي استهدفت تأليب الفنزويليين على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، وصولاً إلى السعي في شقّ المؤسسة العسكرية، وتحريك مساعٍ انقلابية على الحكومة، كان آخرها ما كشفته السلطات الأسبوع الماضي من مخطط بمشاركة كولومبية وتشيلية شمل اغتيال مادورو واستبدال أحد الجنرالات به. على أن «الحرب» على كاراكاس لم تقتصر على تلك المظاهر، بل شملت أيضاً، وأساساً، العمل على فضّ حلفاء فنزويلا عنها، بالترغيب أو الترهيب. هذا ما تمّ انتهاجه، تحديداً، مع كوبا، التي فُرضت عليها أخيراً عقوبات أميركية بدعوى «تدخلها العسكري» في فنزويلا. وهو ما رفضته هافانا، معتبرة أن الهدف منه «انتزاع تنازلات سياسية من الأمة الكوبية عبر خنق اقتصادها». الهدف نفسه سعت الولايات المتحدة في الوصول إليه، عن طريق سلوك سياسة «الجزرة» إلى «جانب» العصا، وفق ما يؤكده لـ«الأخبار» السفير الكوبي في لبنان، ألكسندر بيليسر موراغا، الذي يكشف أن إدارة ترامب لم توفّر أي فرصة لتعرض على بلاده «التخلي عن مادورو، مقابل رفع الحصار عن كوبا». ويضيف موراغا أن عرض واشنطن، الذي ظلّ «سريّاً وضمن دائرة ضيّقة من المسؤولين الكوبيين»، قد قوبل برفض من هافانا، التي شدد على أنها واضحة في سياستها، وأنها لن تتخلى عن رئيس فنزويلا المنتخب شرعياً. كذلك، كشف أن الإدارة الأميركية رهنت إعادة تفعيل اتفاقية «البيسبول» التاريخية بين البلدين (التي ألغاها ترامب، بعدما كانت تسمح للكوبيين الموهوبين في البيسبول بتوقيع عقود احترافية مع أندية الدوري الأميركي الممتاز للبيسبول، من دون التخلي عن الجنسية الكوبية)، بوقف دعم مادورو. لكن هافانا ردّت واشنطن خائبة للمرة الثانية، مؤكدة أن «السياسة الكوبية هي سياسة مبادئ، وليست سياسة تجارة أو مقايضة»، وفق موراغا.
أرادت الولايات المتحدة، من خلال العرض المتقدم، «ضرب عصفورين بحجر واحد»: الأول استدراج هافانا إلى تنازلات سياسية تحت تأثير العقوبات، بما يحوّلها شيئاً فشيئاً إلى دولة تابعة للأميركيين، والثاني اكتساب سلاح ذي فاعلية عالية في وجه النظام الاشتراكي في فنزويلا، بما يساعد على إسقاط الأخير. لكن كوبا سرعان ما بادرت إلى إفشال الرهان الأميركي، شأنها شأن بقية حلفاء كاراكاس، الذين لا يزالون يتعرّضون لضغوط من أجل ثنيهم عن موقفهم الداعم لمادورو، من دون أن تصل تلك الضغوط إلى نتيجة، وفق ما ثبّته مجدداً البيان الأخير الصادر عن رؤساء البعثات الدائمة لكلّ من كوبا وإيران وفنزويلا في فيينا، في ختام «الندوة الدولية حول التدابير القسرية الأحادية الجانب وآثارها». إذ شدد على «اعتبار العقوبات الأميركية أسلحة حرب ووسائل عدوان»، متّهماً واشنطن باستخدام العقوبات «كأداة للتأثير على سياسات الدول أو فرض التغيير عليها».
وفي اتجاه معاكس للرغبات الأميركية أيضاً، سجّلت المكسيك وأوروغواي ودول «المجموعة الكاريبية» (كاريكوم) اعتراضها على حضور ممثل الانقلابي خوان غوايدو، غوستافو تاري برايسينو، أعمال «الجمعية العامة لمنظمة الدول الأميركية (OAS)» التي انعقدت أواخر الشهر الماضي في كولومبيا، لتنفضّ الجمعية من دون التوصل إلى أي اتفاق بخصوص فنزويلا، بعدما كان الأمين العام للمنظمة، لويس الماغرو، أعلن أن اجتماع ميدلين الكولومبية سيكون «مثمراً» على صعيد زيادة الضغط على مادورو. ولعلّ أكثر ما جلّى ذلك الخلاف، هو انسحاب وزير خارجية أوروغواي، أرييل بيرغامينو، من الاجتماع الختامي للمنظمة، مبرّراً الأمر بأن بلاده لا تعترف بغوايدو، وبالتالي فهي تعتبر حضورها الاجتماع معه «أمراً غير مناسب». واعتبر أن «الاعتراف بوفد غوايدو ممثلاً شرعياً للحكومة الفنزويلية هنا، يُظهر أَسر مشروعية منظمة الدول الأميركية».
هكذا، تنسلّ أوراق اللعب في فنزويلا شيئاً شيئاً من بين يدي إدارة ترامب، بعدما كان «صقورها» قد وعدوا رئيسهم بنصر سريع ونظيف في «الحديقة الخلفية» للولايات المتحدة، ليتبيّن لاحقاً عطب تلك التقديرات، وعجز أصحابها عن تحويلها إلى أمر واقع، حتى أصابوا سيد البيت الأبيض بالملل وفقدان الاهتمام، وفق ما كشفت الصحف الأميركية أخيراً.