المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران هي واحد من أهم الأهداف الإسرائيلية في العقود الأخيرة. وتُعدّ، من ناحية تل أبيب، السلاح الأمضى لمواجهة مصدر التهديد الأوّل للدولة العبرية، في ظلّ القصور الذاتي عن المواجهة بأنواعها. أمّا التفاوض والاتفاقات والتسويات، فلا مكان لها في القاموس الإسرائيلي تجاه إيران، ما لم تكن الاتفاقات نفسها انعكاساً للهزيمة الإيرانية المرجوّة.لكن ما بين إرادة تل أبيب وتفضيلها الخيارات العسكرية، وبين القدرة المادية الفعلية الموجودة لديها، هوّة واسعة يتعذّر جسرها، الأمر الذي يدفع إسرائيل نحو تحريض الآخرين على المواجهة مع إيران، وتحديداً الجهة القادرة وهي الولايات المتحدة، في ظلّ إدارة تكنّ العداء لطهران بما لا يقلّ عن عدائها هي لها. إلا أنه ما بين طلب الحرب، وتظهير هذا الطلب، محذور تخشى تل أبيب تبعاته، تحديداً من أن يرتبط اسمها بالتحريض على حرب أميركية قد تكون تداعياتها النهائية كارثية، ما يدفع صاحب القرار في تل أبيب إلى عدم تظهير تحريضه، وإن كان يجهد في الغرف المغلقة في الدفع باتجاه المواجهة وتأمين كل مقدّماتها.
مصدر أميركي لقناة عبرية: لدينا خيار عسكري أعددناه عام 2012 وأطلعنا تل أبيب عليه
خيار عسكري أعددناه عام 2012 وأطلعنا تل أبيب عليه


على هذه الخلفية، تلزم إسرائيل الصمت الرسمي في كل ما يرتبط بالتوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وخصوصاً إن كانت في التوتّر إمكانات معقولة للتدحرج إلى تصعيد أمني بين الجانبين. وهو ما ينسحب بطبيعة الحال على التوتّر في منطقة الخليج، وآخره استهداف ناقلتَي النفط في بحر عمان. مع ذلك، شذّ أمس واحد من الوزراء الإسرائيليين، خلافاً للسياق العام في الامتناع عن إبداء مواقف وتعليقات، وهو عضو المجلس الوزاري المصغر، يوآف غالنت، الذي سارع إلى اتهام إيران بالحادثة، وطالب بضرورة الاستعداد لما سيلي، في إشارة منه إلى إمكان أن تتسبّب الحادثة بمواجهة. وقال غالنت، في حديث إلى القناة الـ«13» العبرية، إن علينا أن نكون متأهّبين لما يمكن أن يحدث في منطقة الخليج، فهم خلال شهر هاجموا بواسطة غواصين أربع سفن، وهاجموا الآن ناقلتين بواسطة «طوربيد» من غواصة، و«لا نحتاج إلى دليل كي نقول إن إيران هي الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات». وحول احتمال نشوب مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، قال غالنت إنه لا يتكلم باسم الأميركيين، على «رغم أنه من الواضح أن المواجهة بدأت، ولم يعد الأمر يتعلّق بالكلمات والتصريحات، وبات يتعلّق باستخدام القوة، وعلى الإيرانيين أن يفهموا مع مَن يتعاملون، وليقرأوا التاريخ، وليعلموا من هي الولايات المتحدة».
من جهتها، تساءلت صحيفة «هآرتس» إن كانت إيران فعلاً هي المسؤولة عن الهجمات، لأن المنطق يشير إلى أنها ستخسر كثيراً من هذه الحادثة. وقالت إن طهران غارقة في صراع سياسي ضخم لضمان عدم انسحاب أوروبا وروسيا من الاتفاق النووي، وأي مبادرة عنيفة من جانبها، كمهاجمة ناقلات نفط أجنبية في الخليج، قد تؤزّم الوضع عليها. وفي تقرير للقناة «13» العبرية، ورد أن الإيرانيين أدركوا نقطة ضعف الغرب مقابل إيران التي تتحرك بناءً على هذا الإدراك، أي لا إرادة الحرب والخشية كذلك على أسعار النفط وإمكان ارتفاعها، و«في المحصلة ما يحدث هو فشل لسياسات ترامب مقابل الإيرانيين». برغم ذلك، نقلت القناة عن مصدر أميركي رفيع المستوى، من دون أن تسمّيه، قوله إن الوضع يقترب مع إيران من الخط الأحمر، وإذا تجرّأ الإيرانيون على اجتيازه، فسيتلقّون ضربة من الولايات المتحدة. وأضاف المصدر: «لدينا خيار عسكري أعددناه عام 2012 وأطلعنا إسرائيل عليه، ويمكننا أن نضربهم بقوة كبيرة جدّاً». هذا التسريب، من ناحية عملية، يشير إلى أن ما حدث حتى الآن، وبمستواه ودلالات التحدّي فيه، إن صحّت الاتهامات بأن إيران وراء الهجمات، لا يدفع الولايات المتحدة إلى مواجهة مع الإيرانيين.