لم يُفوِّت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، فرصة الدخول على خط الوساطة اليابانية بين طهران وواشنطن، والتي تهدف إلى القيام بدور في تخفيف التوتر، فاتصل هاتفياً بنظيره شينزو آبي، مشدّداً على ضرورة «العمل على مواصلة الضغط على إيران لكبح سلوكها العدواني في المنطقة». وتأتي الوساطة اليابانية في إطار محاولات أخرى، تستهدف الحؤول دون التدحرج إلى تصعيد لا يريده أيّ من الأطراف، بِمَن فيهم اليابان، باعتبارها أكثر المتضرّرين من التدهور الأمني في الخليج، التي تستورد معظم حاجاتها النفطية من دوله. ومع أن تل أبيب حرصت، حتى الآن، على عدم تصدّر واجهة الضغوط على طهران، بناءً على طلب أميركي ــــ وفق ما أكدته تقارير إسرائيلية ــــ لإبقاء الساحة للولايات المتحدة، إلا أنها تدرك أن الرسائل المتصاعدة بين طهران وواشنطن بلغت مرحلة مهمة في سياق الكباش الاقتصادي ـــ الأمني. ويبدو أن هذا التدخل يعكس منسوباً من التخوّف من أن تؤدي الوساطات المتتالية إلى حالة من المراوحة والجمود، لا تتراجع فيها إيران، فيما تستمر في خياراتها الاستراتيجية الإقليمية، وتطوير برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية. وفي المقابل، تكتفي الولايات المتحدة بسقف الضغوط الذي نجحت طهران، حتى الآن، في التكيّف معه، على رغم ما تعانيه من صعوبات وضغوط كبيرة على الواقع الاقتصادي. وبالرغم من عدم التعبير عن هذه المخاوف على المستوى الرسمي، إلا أن العديد من الخبراء والمعلّقين في تل أبيب يعكسون وجودها. ويحضر، في هذا السياق، تخفيف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لهجته حيال إيران، في ما يتسبب بنوع من «القلق» إزاء المسارات المستقبلية بالنسبة إلى إسرائيل، وإن كان يندرج أيضاً ضمن التكتيك السياسي.
يسعى نتنياهو إلى الدفع نحو إبقاء الوساطات مرهونة بتقديم إيران تنازلات


على هذه الخلفية، سعى نتنياهو، من خلال الاتصال بنظيره الياباني، إلى الدفع نحو إبقاء الوساطة اليابانية، وغيرها من الوساطات، مرهونة بتقديم إيران تنازلات في سياساتها الإقليمية والدفاعية، والحؤول دون «الانزلاق» نحو منع التصعيد بأي ثمن. ومن هنا، يأتي تركيزه، في الكلام مع آبي، على ضرورة مواصلة الضغوط على إيران بهدف كبح خياراتها الإقليمية. ويعني ذلك أن نتنياهو دعا الوسيط الياباني إلى ضرورة حصر الخيارات أمام إيران، بين مسارين: إما تقديم تنازلات في المجالات التي تطالب بها تل أبيب، وتمسّ بشكل مباشر أمنها القومي؛ أو استمرار الضغوط، ما يعني لاحقاً ضرورة الإقدام على المزيد من الخطوات التصاعدية في حال تمسك طهران بمواقفها.
في المقابل، تكشف المواقف الإيرانية عن رؤية مختلفة لأي وساطة، إذ تشدد على أن هدفها ينبغي أن يكون «إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه»، وأن تبدأ برفع العقوبات الاقتصادية. هذا فضلاً عن تأكيد القيادة الإيرانية العليا الرفض التام للجلوس على طاولة مفاوضات مباشرة مع واشنطن، في ظلّ إدارة ترامب. هذه المواقف والرسائل تعني في تل أبيب أنه لا آفاق أمام أي وساطة لإحداث خرق في الجدار الإيراني، وهو ما تتوجّس من أن يؤدي إلى تراجع من قِبَل الأطراف الدولية، وتحديداً الولايات المتحدة، تفادياً للتدحرج نحو ما لا يريده أيّ من الأطراف. وفي هذا السياق، ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن الاستخبارات الإسرائيلية رصدت، في الفترة الأخيرة، زيادة وتيرة العمل على إنتاج حاويات الضغط وأجهزة الطرد المركزي في منشأتين صناعيتين على الأقل، في إطار الاستعدادات لاستئناف تخصيب اليورانيوم.