يحطّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في لندن اليوم، في زيارة استثنائية، تبدو كأنها محفوفة بمخاطر دبلوماسية، نتيجة تصريحاته الأخيرة، التي قللّ فيها من شأن جهود رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إزاء خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي ــ «بريكست» ــ مطالباً إياها بأن تكون أكثر صرامة في التعامل مع شركة «هواوي» الصينية. وتبدو أجندة الزيارة التي تستمر حتّى الخامس من الشهر الحالي، محمّلة بجدول أعمال مزدحم، أهمّها لقاؤه مع ماي.حتّى أمس، كان كلّ شي يسير بشكلٍ منتظم، لكن ترامب المعروف بإثارته للجدل في كثير من المواقف، أثار عشية الزيارة جوّاً من التوتر، ذلك أنه أمل أن يكون خليفة ماي، التي أعلنت استقالتها قبل أيّام، مؤيداً بشدة لـ«بريكست»، وحثّ في مقابلة مع صحيفة «ذي صنداي تايمز»، أمس، على الخروج من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، وعلى رفض دفع 39 مليار جنيه استرليني (50 مليار دولار) متفق عليها كفاتورة الطلاق بين الطرفين. كذلك، حذر ترامب لندن من إشراك شركة «هواوي» الصينية في تطوير شبكة الجيل الخامس. تصريحات الرئيس الأميركي لـ«صنداي تايمز» تأتي بعد يومين من تأكيده لـصحيفة «ذي صن»، رداً على سؤال يتعلّق بالمرشحين لمنصب رئيس الوزراء، خلفاً لماي، أنّ «بوريس (جونسون) سيقوم بعمل جيّد. أعتقد أنه سيكون ممتازاً»، مضيفاً: «لقد أحببتهُ على الدوام. لا أعلم ما إذا كان سيتمّ اختياره، لكن أعتقد أنه رجل مناسب للغاية وشخص موهوب جداً».
رفض كوربن تدخّل ترامب في الشؤون السياسية لبريطانيا


وأشار ترامب إلى أنّ العديد من المرشحين لقيادة حزب «المحافظين» طلبوا دعمه، من دون أن يكشف أسماءهم. كذلك، صرّح ترامب بأن السياسي الشعبوي المناهض للاتحاد الأوروبي نايجل فاراج، يجب أن يشارك في مفاوضات بلاده للخروج من التكتل. ولفت إلى أن على لندن الخروج من الاتحاد هذا العام، قائلاً: «يجب عليهم الانتهاء من ذلك… عليهم إنهاء هذه الصفقة». أما عن تكاليف الانسحاب، فانتقد ترامب الرقم التي ستدفعه بريطانيا بالقول: «لو كنت مكانهم لما دفعت 50 مليار دولار. هذا رقم ضخم».
وكرّر ترامب انتقاده للطريقة التي أدارت بها ماي المفاوضات مع بروكسل، قائلًا إنّ بريطانيا سمحت للتكتّل الأوروبي «بالإمساك بكلّ الأوراق... من الصعب جدًّا اللعب جيّدًا حين يكون لدى طرف واحد كلّ الأفضلية». حتى زعيم المعارضة جيريمي كوربن لم يسلم من ترامب، الذي قال إنه «ارتكب خطأ» لأنه فشل في جعل واشنطن صديقاً، ذلك أن كوربن كان قد رفض التعاون في الشؤون العسكرية والاستخبارية بين بلاده وبريطانيا. وهذه ليست المرة الأولى التي يصدم فيها الرئيس الأميركي الساسة البريطانيين بتصريحاته وانتقاداته. فخلال زيارته السابقة، في تموز الماضي، صدم ترامب الوسط السياسي بانتقاده مفاوضات ماي بشأن الخروج، بل إنه وصفها بأنها «ضعيفة للغاية،». وكذلك، أثار جدلاً بمدح منافسها بوريس جونسون بقوله إنه رئيس وزراء محتمل «عظيم». ويعتبر جونسون الشبيه الأقرب لترامب، وإن كانت الاختلافات كبيرة بينهما لناحية تجربتهما السياسية.
وفي هذا الصدد، وفي تعليقها على الزيارة، أفادت شبكة «سي إن إن» بأنه يجري النظر إلى جونسون، في أحيان كثيرة، على أنه «ترامب البريطاني»، مضيفة أن كلاً منهما له «باع طويل في الإدلاء بتصريحات مثيرة للجدل ومشينة أحياناً»، وأن كليهما «مُتّهم بالكذب خلال الحملات الانتخابية، بغض النظر عن الشبه في الشكل الخارجي وقصّة الشعر الغريبة». وكما العادة، وفور إعلان الزيارة، بدأ الناشطون المعادون لسياسة ترامب الدعوة إلى تظاهراتٍ مناهضة له في العاصمة البريطانيّة، حيث يتوقع أن يخرج الآلاف من الأشخاص إلى شوارع لندن للاحتجاج على وجوده، وهو الأمر الذي حدث في زيارته السابقة.
في المقابل، وبعد تصريحات ترامب، خرج زعيم حزب «العُمّال»، أول من أمس، لينتقده على تدخله في السياسة البريطانية. وقال كوربن، الذي رفض دعوة حضور المأدبة الرسمية الكبرى التي ستقام اليوم على شرف الرئيس الأميركي في قصر بكنغهام، إن «محاولة الرئيس ترامب تحديد من سيكون رئيس وزراء بريطانيا المقبل، تدخّل غير مقبول بالمرة في شؤون بلدنا الديموقراطي».