لم يكد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يطمئن إلى أن «لا حرب تجارية مع الصين، وأن كل ما يحدث مجرد شجار صغير»، حتى فجّر «قنبلة» جديدة قلبت الأوضاع بين البلدين من مشاحنات إلى أعلى درجات التوتر، وذلك بعد استهدافه شركة الاتصالات الصينية العملاقة «هواوي» بعقوبات صارمة. خطوة من شأنها أن تسعّر النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، في وقت أعلن فيه وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، أنه سيزور بكين قريباً لإجراء المزيد من المحادثات.وأول من أمس، وقع الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً بإعلان حالة «الطوارئ الاقتصادية» على مستوى البلاد، ومنع الشركات الأميركية من استخدام أجهزة اتصالات من صنع شركات تمثل خطراً على الأمن القومي، في إجراء بدا واضحاً أنه يستهدف مجموعة الاتصالات الصينية العملاقة «هواوي». ويمنح قانون الطوارئ، رئيس البلاد، سلطة تنظيم التجارة أو فرض عقوبات ضد كيانات تهدد المصالح الأميركية. ووجّه الأمر التنفيذي، وزارة التجارة، بوضع خطة لتنفيذ المرسوم، من دون تحديد شركات أو دول بعينها. غير أن الأمر جاء وسط خلافات تجارية كبيرة بين واشنطن وبكين. وبرّر البيت الأبيض هذا الإجراء بوجود «خصوم أجانب يستخدمون بصورة متزايدة مكامن ضعف في الخدمات والبنى التحتية التكنولوجية في مجالي الإعلام والاتصالات في الولايات المتحدة». وقالت وزارة التجارة الأميركية إنها أضافت «هواوي تكنولوجيز و70 شركة تابعة لها إلى قائمة الكيانات السوداء الخاصة بها»، في خطوة تمنع الشركة من الحصول على مكونات وتكنولوجيا من شركات أميركية بدون موافقة الحكومة. وأعلن وزير التجارة، ويلبور روس، في بيان، أن ترامب أيّد القرار.
أضافت واشنطن «هواوي إلى قائمة الكيانات السوداء الخاصة بها


وبُعيد ساعات من إصدار ترامب القرار، أتى الرد من «هواوي»، التي اعتبرت الخطوة الأميركية «انتهاكاً لحقوقها». وقالت المجموعة الصينية، في بيان، إن «منع هواوي من العمل في واشنطن لن يجعل الأخيرة أكثر أمناً أو أقوى. بدلاً من ذلك، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى اقتصار خيارات أميركا على بدائل أدنى مستوى وأكثر تكلفة»، وتابعت: «بالإضافة إلى ذلك، فإن القيود غير المعقولة ستنتهك حقوق هواوي وستثير مسائل قانونية خطيرة أخرى». «هواوي» التي تقدّم نفسها على أنها «الرائدة بلا منازع في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس (5G)» لشبكات الهاتف النقال، حذّرت من أن «واشنطن ستجد نفسها في نهاية المطاف متخلفة في نشر شبكات الجيل الخامس، وهو أمر لن يؤدي إلا إلى معاقبة الشركات والمستهلكين في البلاد». من جهته، قال المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، قاو فنغ، إن بكين «تعارض بشدة فرض دول أخرى عقوبات أحادية على كيانات صينية»، مضيفاً أنه «يتعين على الولايات المتحدة تجنب التأثير بشكل إضافي على العلاقات التجارية بين بكين وواشنطن». وفي شأن «الخطة الأميركية لزيارة بكين ومواصلة محادثات التجارة»، أكد المتحدث أن الصين «ليست لديها معلومات» حولها.
في غضون ذلك، وبعد أقلّ من 24 ساعة على قرار إدارة ترامب، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن أوروبا «لن تستجيب للضغوط الأميركية من أجل حظر شبكات الجيل الخامس من إنتاج هواوي». وأضاف في مؤتمر عن التكنولوجيا في باريس، أمس: «من وجهة نظرنا لا يجب حظر هواوي ولا أي شركة أخرى... فرنسا وأوروبا براغماتيتان وواقعيتان. نحن نؤمن بالتعاون والتعددية، في الوقت نفسه نتعامل بحذر بالغ بشأن الحصول على التكنولوجيا الجيدة، وحماية أمننا القومي واحترام كل قواعد السلامة والأمن».
ورأت وكالة «بلومبيرغ» الأميركية أن تصريحات ماكرون «تعكس المزاج العام في أوروبا»، مشيرة في هذا السياق إلى تصريح رئيس الوكالة الاتحادية للشبكات في ألمانيا، يوخن هومان، والتي عارض فيها «استبعاد هواوي تطوير شبكات الجيل الخامس في بلاده». وأضاف هومان، أمس، أن القواعد الصارمة نفسها يجب تطبيقها على جميع الشركات، قائلاً: «من يلتزم بهذه القواعد يجب أن يكون جزءاً من عملية التطوير، بغض النظر عن اسم الشركة». ولفت إلى أن الوكالة ستكشف عن مسودة في شأن متطلبات أمنية جديدة خلال الصيف.
أما في لندن، فأعلنت الحكومة البريطانية أنها تراجع سياستها في شأن السماح لـ«هواوي» بالمشاركة في تطوير شبكات الجيل الخامس في بريطانيا، وذلك عقب القرار الأميركي حظر الشركة. يُذكر أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا من بين حلفاء الولايات المتحدة الرئيسين الذين تخيّرهم واشنطن بين الاشتراك في حظر استخدام تكنولوجيا «هواوي»، أو مواجهة عقوبات أميركية.