دونالد ترامب من أنصار نظرية ربح الحرب من دون خوضها. قدر كبير من الغطرسة، ومن الجهل المطبق بحقائق العالم ومتغيراته، يدفعه، مع قطاع واسع من النخبة الأميركية، إلى الاعتقاد بإمكانية نجاح بلادهم في إخضاع خصومها، وحتى أصدقائها، عبر استخدام أدوات الحرب الاقتصادية والمالية. وهو بالفعل ماضٍ في خوض هذا النمط من الحرب في العديد من الاتجاهات، بدءاً من الصين، وصولاً إلى إيران. يعتقد ترامب، مؤلف كتاب «فن الصفقات»، أن سياسة الضغوط القصوى تجاه إيران ستفضي آجلاً أو عاجلاً إلى القبول بـ«المطالب» الأميركية منها، بغية عقد صفقة تخرجها من حالة الحصار المفروضة عليها اليوم. هو عبّر عن قناعاته الفعلية عندما أعلن قبل أيام في البيت الأبيض أنه ينتظر اتصالاً من الإيرانيين لبدء عملية تفاوضية جديدة معهم. الضغوط أو العقوبات القصوى في نظر رجل الأعمال، الذي أتاح له تضافر استثنائي لمجموعة من العوامل البنيوية والظرفية أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، سلاح فتاك لا حاجة لاستخدام سواه، خاصة إذا كان مكلفاً بشرياً ومادياً وسياسياً، من أجل الانتصار في المواجهات السياسية الكبرى. ألم يسقط الاتحاد السوفياتي، بحسب السردية الخاطئة ولكن السائدة في واشنطن وقسم كبير من العالم، بفضل الضغوط والعقوبات القصوى؟ هل ستستطيع طهران احتمال ما لم تحتمله موسكو في الماضي؟ هذا هو منطق ترامب. لكن مجموعة وازنة في الإدارة، تضم ائتلافاً من أنصار إسرائيل الأيديولوجيين أو الدينيين، ويقف على رأسها مستشار الأمن القومي جون بولتون، لديها خطة أخرى: هي تريد الحرب مع إيران. لم يكن بولتون يخفي موقفه هذا عندما كان خارج الإدارة. فهو دعا في مناسبات عدة إلى ضرب إيران عقاباً لها على سياساتها المُهدِّدة، من وجهة نظره، لمصالح واشنطن وحلفائها. لكنه اليوم في موقع المستشار الأقرب لصانع القرار، ويستطيع التعاون مع محيطه العائلي، خاصة صهره جارد كوشنير، لمحاولة دفعه إلى اعتماد خيار الحرب. «حزب الحرب» مدركٌ أن الرئيس يريد تجنبها لخوفه من عدم القدرة على التحكم بمداها ومدتها، ومن أكلافها ونتائجها على مستقبله السياسي. لكن هذا الحزب العقائدي غير معني في الحقيقة بحسابات ترامب. هو منقسم بين مَن يرى نفسه ينجز مهمة تاريخية ستكفل أمن إسرائيل والريادة الأميركية، وبين مَن يعتقد أنه ينجز تكليفاً ربّانياً يمهد لعودة المسيح. لذلك، هو لن يفوّت أي فرصة في المقبل من الأيام والأسابيع تتيح له مضاعفة ضغوطه على ترامب لدفعه للجوء إلى القوة العسكرية.