يدفع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، باتجاه تأليف حكومة وحدة وطنية بين حزبَي «الليكود» و«أزرق أبيض»، على رغم كل العقبات التي تعترض هذا الخيار، سواء لدى الحزبين أو لدى المعسكرين. وينطلق ريفلين في توجهه هذا من ضرورات المرحلة المقبلة، المشبعة بالتحديات الداخلية والخارجية، والتي تفرض على رئيس الحكومة ألا يكون مرتهناً لحسابات ضيّقة لعدد من الأحزاب الصغيرة. وقالت صحيفة «معاريف»، التي كشفت عن مساعي ريفلين أمس نقلاً عن مقربين منه، إنه سيعمد فور بدء المشاورات مع الكتل الاثنين المقبل، إلى الدفع باتجاه حكومة شراكة بين الحزبين الكبيرين، وخاصة أن عدد مقاعدهما في «الكنيست» يكفي، من دون أي ائتلاف مع أي حزب ثالث، لنيل ثقة «الكنيست».من جهته، شدّد مسؤول إسرائيلي رفيع على ضرورات المرحلة المقبلة وفق رؤية ريفلين، وهي توقّع نشر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب «للسلام» والتي باتت معروفة بـ«صفقة القرن»، إضافة إلى تحديات داخلية مرتبطة بالشأن المالي والاقتصادي وتجنيد المتدينين في الجيش الإسرائيلي، المسألة التي أدت إلى إنهاء الائتلاف الماضي وحلّ «الكنيست». ولا يخلو توجّه ريفلين من اعتبارات فعلية، تزيد عما ورد على لسان المسؤول الإسرائيلي من موجبات، إذ يجب على رئيس الحكومة المقبل، أي بنيامين نتنياهو، التفلّت من ضغط شركائه في اليمين لاتخاذ مواقف، وإن كانت شكلية، ترتبط بأكثر من ملف وتحدّ في المرحلة المقبلة. وحكومة وحدة مع «أزرق أبيض» من شأنها أن تؤمّن ذلك.
إضافة إلى ما تقدم، فإن حكومة نتنياهو المستندة إلى معسكر اليمين تحتاج فعلياً إلى ائتلاف كل مكوناته، إضافة إلى الأحزاب الدينية من دون أي استثناء، الأمر الذي يؤمن له ثقة هشة في «الكنيست» من 65 عضواً (من أصل 120)، وإن قرر أيّ من مكوناتها الخروج منها، فستسقط تلقائياً. يعني ذلك أن نتنياهو سيكون مرتهناً لمطالبات ــــ بمعنى الابتزاز ــــ سواء من الأحزاب الدينية على خلفية تجنيد «الحريديم» في الجيش الإسرائيلي، أو الأحزاب اليمينية العلمانية التي بدأت مطالبها بالفعل قبل انطلاق مشاورات تأليف الحكومة، ومن بينها شروط انسحاب إسرائيل من التزاماتها بموجب اتفاق التهدئة مع قطاع غزة، كما يرد على لسان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان.
لكن، هل تكفي هذه الأسباب للدفع باتجاه تأليف حكومة الوحدة المنشودة من ريفلين؟ سؤال تتعذر الإجابة عنه الآن، وخاصة أن لدى الحزبين تكتلات داخلية ترفض الجلوس في حكومة يشترك فيها الحزب الآخر، كما أن حزب «أزرق أبيض» هو في الأساس حزب خليط من اتجاهات يمينية ووسطية وكذلك يسارية، وقد يتعذر تماسكه إن توجّه رئيسه بيني غانتس نحو حكومة شراكة مع نتنياهو. لكن بالطبع، كل الكلام الذي قيل عن رفض الجلوس مع هذا الحزب أو ذاك خلال الحملة الانتخابية لن يكون بالضرورة عائقاً، في حال توافق المصالح على المشاركة في حكومة بين الحزبين.
هذا السيناريو لا يبدو مستبعداً بشكل مطلق، وهو جزء من سيناريوات تأليف قد يصل إليها نتنياهو بعد استعراض مطالب الأحزاب اليمنية. وقد يكون هدف استقرار الحكومة المقبلة، ومنع الارتهان للأحزاب الصغيرة، وتلافي التهديد الدائم بانحلال الائتلاف، دافعاً كافياً لدى نتنياهو للمضي فيه، وإن كان بتّ هذا السيناريو مؤجلاً إلى حين اتضاح نتيجة المشاورات داخل معسكر اليمين خلال الأسبوع المقبل أو الذي يليه. لكن التعبير عن خشية الأحزاب اليمينية من الوحدة بين نتنياهو وغانتس بدأ مع انطلاق تداول سيناريواتها، الأمر الذي يشير إلى جدّية احتمالاتها من جهة، وإلى مدى إيذائها لهذه الأحزاب من جهة ثانية، إضافة إلى أن نتنياهو سيستخدمها، مع أو من دون التوجه الفعلي للشراكة مع غانتس، خلال مشاوراته الائتلافية مع اليمين بهدف تليين موقف مفاوضيه، بالتلويح بأن لديه خيارات أخرى. وفي هذا الإطار، سُجّلت لدى «اتحاد أحزاب اليمين» مواقف رافضة لتوجهات ريفلين، إذ اعتبر عضو «الكنيست» عن هذا الحزب، الممثل الحالي للصهيونية الدينية في «الكنيست»، بتسلئيل سموتريتش، أن الدعوة إلى حكومة وحدة هي «نفاق وهرطقة وهدفها التخلص منا»، لافتاً إلى وعد نتنياهو حزبَهُ بحقيبتين وازنتين في الحكومة المقبلة.