لندن | يقول الرئيس الإكوادوري السابق إن مناخاً من اليأس يضرب داخل قصر الرئاسة في بلاده، وإنه يتوقع تنحي الرئيس الحالي، لينين مورينو، قريباً بعد الكشف عن تورطه ومقربين في فضيحة فساد متشابك كبرى. تأتي تلك الفضيحة بعدما أظهرت جولة الانتخابات الأخيرة استحالة فوز مورينو بالتجديد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما يحاول النظام المرتبك في وجه تلك الضغوط صرف الأنظار عبر اتهام جوليان أسانج بالتآمر.بدا نظام لينين مورينو، الرئيس الإكوادوري اليميني وحليف واشنطن، شديد الارتباك في مواجهة تداعيات فضيحة الفساد التي كشف عنها أخيراً في أصغر دول أميركا الجنوبية، وأظهرت تورط الرئيس وعائلته ومقربين منه. النظام الذي لم يتعاف بعدُ من نتائج جولة الانتخابات المحلية الأخيرة (حزب الرئيس الخاسر الأكبر بمحصلتها الكلية بما يقوض فرص التجديد له في انتخابات 2021 الرئاسية)، وبدلاً من محاولة استيعاب الفضيحة، اختار أن يستخدم هيمنة اليمين شبه الكلية على الإعلام الإكوادوري، لصرف أنظار المواطنين عن فساد الرئيس، من خلال اتهام موقع «ويكيليكس» بتسريب الوثائق والصور التي على أساسها قَبِل المُدعي العام التحقيق في ملابسات الأمر. وهاجم شخص جوليان أسانج، مؤسس الموقع الشهير، بوصفه يتآمر مع رفائيل كوريا، الرئيس الإكوادوري السابق (من 2007 إلى 2017) لإسقاط حكم مورينو بالتعاون مع نيكولاس مادورو، رئيس فنزويلا.
وتحدّث مورينو شخصياً، الثلاثاء الماضي، ليقول إنه لذلك سيقرّر على «المدى القصير» مصير أسانج بعدما تعددت خروقات «ويكيليكس» لبروتوكول شروط لجوء مؤسس الموقع إلى مقر السفارة الإكوادورية في لندن. لكن الحقيقة أن «ويكيليكس» لم ينشر أي وثائق عن فضيحة «INA»، كما صارت تعرف محلياً، أو أي صور خصوصية لعائلة الرئيس. كما أن أسانج، اللاجئ إلى مقرّ سفارة كويتو في لندن منذ 7 سنوات، لم يعد مدير الموقع منذ ما يقرب العامين، ويقضي منذ تولي مورينو السلطة في نيسان/ أبريل 2017 ما يشبه ظروف الاعتقال الانفرادي، ولا سيّما في الأشهر الأخيرة، رغم أن السلطات السويدية صاحبة الادعاء الأصلي ضده قد أسقطت مذكرتها باعتقاله منذ أكثر من 25 شهراً مضت.
توظيف النظام لكذبة بُواح مثل هذه بدا كأنّه أتى ضمن حملة دعائية متكاملة، لا شك في أن وراءها واحداً من بيوت الدعاية الأميركية المتخصصة بإدارة العلاقات العامة، وشملت جوقة ممتدة من صحف البلاد الكبرى إلى محطات التلفزة والإذاعات المحلية وحتى قناة «CNN» الأميركية بنسختها الناطقة بالإسبانية، قبل أن يتحدث وزير الإعلام الإكوادوري مردداً التهم نفسها، وليلحق به وزير الخارجية ونائب الرئيس وكبار موظفي النظام. ولاستكمال الهمروجة، اجتمع مجلس الجمعية الوطنية (البرلمان)، وبعد حفلة استعراض ولاءات وإلقاء شتائم بحق رجل تحاصره دول كبرى في غرفة صغيرة تحت ولايتهم، أصدر المجلس قراراً بضرورة أن تحقق الحكومة مع أسانج رسمياً بشأن الجرائم التي ارتكبها و«ويكيليكس»، و«أن تتخذ بناء على ذلك أي إجراءات قد تكون ضرورية لحماية المصالح القومية العُليا للبلاد».
نقلت «ويكيليكس» أن السلطة الإكوادورية وافقت على إنهاء لجوء أسانج


وبالفعل، فإن «ويكيليكس» نقلت أمس عن مصدر رفيع داخل السلطة الإكوادورية قوله إن بلاده وافقت بالفعل على إنهاء حالة لجوء أسانج إلى مقرّ السفارة في لندن، وإنها حصلت على ضمانات من حكومة تيريزا ماي التي نقلت إليهم أن الجانب الأميركي وعد بعدم «قتل» أسانج لدى تسلمه. وسيكون ذلك إن حدث سابقة قانونية خطيرة، بحسب فريق محامي «ويكيليكس». وقد توترت الأجواء حول مقر السفارة، إذ استبدلت قوات الشرطة المسلحة بقوات عمليات خاصة، بينما تجمّع عشرات من مؤيدي أسانج في الشارع مقابلها ،وقضى عديد منهم ليلتهم في خيم نصبوها لمواجهة محاولة اعتقاله فور طرده من المقرّ، بينما تجوّلت بجوارهم سيارة تحمل صورة كبيرة لأسانج وقد أُغلق فمه بعلم أميركي. كما شوهدت طواقم صحافية عدّة تتخذ مواقع لها في المنطقة. وقد رفض المتحدّث باسم الحكومة البريطانية التعليق على ما سمّاه «الشائعات» بشأن إنهاء لجوء أسانج، لكنه قال إن لندن وكويتو على تواصل بهذا الشأن منذ فترة.
نظام مورينو، الفاسد، والضعيف سياسياً بعد الانتخابات المحلية الأخيرة، بشنّه الحملة المنسّقة، لا يحاول نقل التركيز الإعلامي من مضمون فضيحة الفساد إلى الحديث عمّن سرّب «مستهدفاً الإساءة للبلاد» فحسب، وإنما أيضاً إتاحة الظروف التي تسمح للنظام بالإقدام على جريمة تسليم أسانج للولايات المتحدة مقابل إعفاء الإكوادور من ديونها المتقادمة لواشنطن، ودعم اتفاق مورينو مع مؤسسة النقد الدولي حول صفقة قرض بـ 4.2 مليارات دولار، يتوقع على نطاق واسع أن تنتهي معظمها في جيوب نخبة قليلة من محاسيب النظام. ولا شكّ أيضاً في أن التخلص من الصحافي الأكثر إزعاجاً لواشنطن وأتباعها حول العالم، بكشفه عن وثائق رسمية تدينهم جميعاً، سيكون بمثابة استكمال لعملية اجتثاث تركة نظام الرئيس اليساري السابق كوريّا، الذي قبل لجوء أسانج إلى سفارة بلاده أثناء فترة حكمه. وتترافق هذه التحضيرات المشبوهة مع زيارة مرتقبة لواشنطن يقوم بها مورينو في الـ 12 من الجاري.
من ناحيته، وصف فيديل نارفاييز، سفير الإكوادور السابق في لندن، اتهامات مورينو ونظامه لأسانج و«ويكيليكس» بالتآمر على الإكوادور بـ«المهزلة». وقال في مقالة نشرها إن «النظام اليميني الإكوادوري يلتمس الأعذار منذ بعض الوقت لتقديم أسانج أضحية على معبد العلاقات مع واشنطن». وكان موقع إخباري محلي قد كشف عن فضيحة الفساد الكبرى في شباط/ فبراير الماضي، بعد نشره تقريراً عما سمّاه «متاهة الفساد الرئاسي». وتحدّث بعدها نائب إكوادوري عن تلقيه ملفاً كاملاً من مصدر مجهول تضمن وثائق تدين الرئيس مورينو وشقيقه وعدداً من أفراد عائلته في «جرائم فسادٍ وتلقي رشى وتبييض أموال عبر حسابات أجنبية بأسمائهم» لمصلحة مراكز نفوذ ومصالح للحصول على عقود من الدولة. وقد تضمنت الرشى، إلى جانب التحويلات النقدية، مجموعات أثاث فاخر وعقارات مختلفة، بما فيها شقة فارهة في إسبانيا سجّلت باسم الرئيس. وأعلن مكتب المدعي العام لاحقاً عن اطلاعه على تلك الوثائق، وأنه سيشكل لجنة تحقيق أوّلي للمتورطين فيها خلال 20 يوماً من بداية شهر نيسان/ أبريل الحالي بدأت أعمالها بالفعل. وقد سرّبت، قبل بدء جلسات التحقيق، تفاصيل مكالمة هاتفية أجرتها إليزابيث كابيزاس، رئيسة الجمعية الوطنية، تتآمر فيها لمنع نشر الفضيحة على العموم أو التحقيق فيها، الأمر الذي دفعها الى الاستقالة من منصبها.
رفائيل كوريا، من منفاه الاختياري البلجيكي، كتب على «تويتر»: «النهاية قد أزفت. هناك عاصفة يأس تضرب في الكارنوديليه (قصر الرئاسة الإكوادوري). سيعلن مورينو بعد قليل تنحّيه لأسباب صحية. الحقيقة أنه يعلم أنه فاسد، وقد كُشف فساده الآن على العلن. أعتذر من شعبي لأني وثقت يوماً بهذا الوغد النذل».