لم تدخل إيران عامها الجديد (الهجري شمسي) في 21 آذار/ مارس قبل أن تسلك موازنتها السنوية مسارها القانوني داخل المؤسسات الدستورية للبلاد. فمع بداية العام الجديد، أوعز الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى «مؤسسة التخطيط والموازنة» التابعة لحكومته بالبدء بتنفيذ الموازنة الجديدة داخل الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة. بلاغ روحاني جاء عقب تصويت «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، مطلع آذار/ مارس الجاري، على عدد من البنود الخلافية التي ظهرت أخيراً بين «مجلس صيانة الدستور» والبرلمان، بعدما ناقش الأخير خطة الميزانية ورفعها إلى الأول. وكانت البنود المتعلقة بالتسهيلات البنكية أهم النقاط الإشكالية بين الطرفين.ورغم عدم اتضاح تركيبة الموازنة بعد خروجها من «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، فإن الأخيرة شهدت تعديلات داخل البرلمان الذي مكثت فيه أكثر من شهرين بعدما سلّمه إياها الرئيس روحاني أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وكانت الزيادة البالغة 400 ألف تومان (30$ بسعر الصرف الحر البالغ 13400 تومان للدولار الواحد، 95$ بسعر الصرف الحكومي البالغ 4200 تومان للدولار الواحد) على رواتب العمّال والموظفين من ضمن التعديلات المُقرّة من البرلمان على الميزانية، التي كانت ستمنح الموظفين الزيادة بما يعادل 20% من الراتب، بحسب تصريحات روحاني. تعديل البرلمان وافق عليه «مجلس صيانة الدستور» بعدما دعا رئيس «مؤسسة التخطيط والموازنة»، محمد باقر نوبخت، إلى إعادة النظر فيه لأن الحكومة، وفقاً لنوبخت، لن تستطيع دفع هذه الزيادة للموظفين.
كذلك، أقرّ البرلمان نظام الكوبون الذي ينظّم من خلاله توزيع المواد الغذائية الأساسية للمواطنين عبر بطاقات إلكترونية. وقد تباينت الآراء الإيرانية حول هذا القرار البرلماني. فصحيفة «جام جام» رأت أن هذا القانون «سيمنع التجار من التلاعب في أسعار السلع الأساسية التي كانت تصل للأسواق الشعبية بقيمة الدولار الحر». لكن بروفسور علم الاجتماع، علي رضا شريفي يزدي، رأى أن القرار دليل على «عدم النجاح في الاستجابة لتوفير الاحتياجات المعيشية للمجتمع، وعدم توفير الاستقرار الاقتصادي له». يُذكر أن روحاني بيّن سابقاً أن الموازنة التي قدمها إلى البرلمان احتوت على دعم حكومي يصل إلى 14 مليار دولار من أجل توفير الدواء والسلع الغذائية بأسعار رخيصة للمواطنين، وهذا ما عُدّ زيادة بمقدار مليار دولار على الدعم السنوي الماضي الذي بلغ 13 مليار دولار.
وأجرى البرلمان أيضاً تعديلات على قيمة العوائد الحكومية المتوقّعة لهذا العام. فبعدما تنبّأت الحكومة بـ407.7 تريليون تومان كموارد عامة، أقرّ البرلمان لهذه الموارد ما قيمته 448.5 تريليون تومان بنسبة تغيير بلغت 10%. ومن جانب آخر، توقّعت الميزانية أن تصل العوائد الحكومية (الضرائب) إلى 153.5 تريليون تومان، لكن البرلمان رفعها بنسبة 12% لتصبح 172 تريليون تومان. كذلك أجرى تعديلاً آخر وصلت نسبته إلى 6.6% على الموارد المتحققة من الإيداعات والاستثمارات، فقدّر لها مبلغ 157.9 تريليون تومان بعدما رصدت الحكومة لتلك الموارد 148 تريليون تومان.
اختار خامنئي عبارة «ازدهار الإنتاج» ليجعلها شعاراً لهذا العام


ولم يغفل البرلمان في هذا الإطار توجيه الحكومة للخيارات البديلة في حال العجز عن توفير تلك الأرقام التي عُدّلت من قبله. فدعا الحكومة إلى رفع تسعيرة النفط أو زيادة معدل صادراته، كي تستطيع من خلال هذين الخيارين التأثير بسعر الدولار المعتمد في الموازنة والبالغ 5544 توماناً لكل دولار، ووضعه البرلمان كمتوسط بين السعر الحكومي البالغ 4200 تومان لكل دولار، والثاني المعتمَد في منظومة «نيما» التي تُمكّن الحكومة عبرها الموردين من الحصول على الدولار بقيمة السعر الحكومي، وفي المقابل تُلزم المصدرين بإدخال العملة الصعبة إلى البلاد من خلال تلك المنظومة، ما يجعل البنك المركزي قادراً على التحكم بسعر الصرف، وذلك عبر البنوك ومكاتب الصيرفة المنضوية تحت إطار تلك المنظومة التي تتبع له.

التوقعات الاقتصادية
اختار المرشد الأعلى، علي خامنئي، عبارة «ازدهار الإنتاج» ليجعلها شعاراً للعام الإيراني الجديد، واعداً، خلال خطابه السنوي المعهود في اليوم الأول من كل عام، بأن يكون هذا العام «عام الفرص والانفراج». هذا التعهد المُقدَّم من قِبَل المسؤول الأول عن رسم السياسات العامة في البلاد، سبقه التزام آخر بأن تكون السنة الجديدة «سنة للانتصار في حل مشاكل الشعب الإيراني والمنطقة»، كما عبّر عن ذلك الأدميرال علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، وهو المجلس المسؤول عن وضع الخطط التنفيذية للسياسات العامة التي يُقررها المرشد الأعلى.
وبالرجوع إلى تفاصيل الميزانية التي تشكل أساساً للخطة الاقتصادية الهادفة إلى تحقيق الانفراجات خلال هذا العام، يظهر أن مواردها الكلية اعتمدت بنسبة 22% على العوائد الحكومية (الضرائب). ولأن فجوة التهرب الضريبي في إيران، بحسب صحيفة «إيران» الحكومية، تبلغ 40%، شدد روحاني أثناء تقديمه الميزانية على «ضرورة إصلاح النظام الضريبي»، داعياً في الوقت ذاته إلى أخذ ضرائب أعلى من أصحاب الرواتب والمستحقات المالية المرتفعة، على أن تعفي الموازنة الذين لا تصل رواتبهم إلى مليونين و300 ألف تومان من دفع الضرائب. صحيفة «ستارة صبح» التي علّقت على هذا الجانب من الموازنة، انطلقت من الإشارة إلى «عدم تدوين أي قاعدة ضريبية جديدة يمكنها أخذ الضرائب من الفئات مرتفعة الدخل»، لتخلص إلى أن «ما يمكن تحصيله من الضرائب لن يتعدى سقف الـ100 تريليون تومان»، وهذا ما سيشكل عجزاً في خانة العوائد الحكومية (الضرائب) يُقدر بـ 41%.
ولم يخف بعض المراقبين قلقهم من ظهور عجز آخر في بند الموارد المُحققة من الإيداعات والاستثمارات، والذي تعتمد عليه الميزانية بنسبة 20% من الموارد الكلية، وتعتبر العائدات النفطية عماده. فالبرلمان، عندما رفع سقف توقعات العوائد من هذا البند، إنما استند في قراره إلى إضافة 10 تريليونات تومان للعوائد النفطية المنتظرة هذا العام، مع الإشارة إلى أن مشروع الموازنة يتوقع إنتاج 1.5 مليون برميل نفط يومياً (وسعراً بين 50 و54 دولاراً للبرميل) تموّل نسبة 35% من واردات الموازنة. التوقعات المتفائلة تقاطعت مع تقرير للبنك الدولي تكهّن بأن تتمكن طهران من تصدير ما يفوق مليون برميل نفط يومياً خلال عام 2019. ولم يستبعد التقرير الذي أوردته صحيفة «أبرار» أن تسجل صادرات إيران النفطية زيادات غير متوقعة، لافتاً إلى أن هذا النجاح سيكون رغم الحظر الأميركي وضغوط واشنطن على زبائن النفط الإيراني. ولعلّ ما يطرد القلق عند البرلمان الإيراني «إتقان طهران لفنّ الالتفاف على العقوبات»، كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، خلال حلقة حوار في «منتدى الدوحة الدولي» منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

زيادة موازنة الحرس الثوري
في الوقت الذي رفعت فيه الحكومة من حصة وزارة التربية والتعليم لتصبح 46 تريليون تومان (8.3 مليارات دولار بحسب السعر الذي وضعه البرلمان في الموازنة)، بمعدل زيادة يقارب الـ26% مقارنة بالعام الماضي، فإنها في مقابل ذلك خفضت الانفاق المتعلّق بعدد من المؤسسات العسكرية. وطاول التقشف كلاً من وزارة الدفاع التي أعطتها الميزانية 3.5 تريليون تومان (630 مليون دولار بحسب السعر السابق) بما يعادل نصف القيمة التي نالتها العام الماضي، واقتصّت من حصة الجيش 800 مليار تومان لتصبح موازنته 10 تريليونات و200 مليار تومان. وانخفضت كذلك ميزانية الهيئة العامة للقوات المسلحة من 3 تريليونات تومان إلى نصف تريليون. لكن على الجهة العسكرية الأخرى، منحت الحكومة الحرس الثوري زيادة في ميزانيته لترتفع من 20 تريليون تومان إلى أكثر من 25 تريليون تومان (4.5 مليارات دولار بالسعر السابق نفسه). كذلك حصلت مؤسسة «الباسيج» على زيادة تقدَّر بـ 2%، ليصبح مخصصها المالي تريليوناً و 300 مليار تومان (230 مليون دولار بنفس سعر البرلمان).