يواصل الرئيس الصيني، شي جين بينغ، جولته الأوروبية التي يهدف منها إلى ضخّ زخم جديد في الشراكة الإستراتيجية بين بلاده والقارة العجوز. فبعد إيطاليا، هبط شي أمس ضيفاً على موناكو، لينتقل اليوم إلى فرنسا التي يزورها بمناسبة الذكرى الـ55 للعلاقات الثنائية، ويختتم بها هذه الجولة، الأولى خارجياً له هذا العام.وكما فعل قبل زيارته إيطاليا، استبق شي زيارته لباريس بمقالة نشرتها صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية تحت عنوان «التحرك معاً نحو التنمية المشتركة»، أكّد فيها «وجود آفاق مشرقة للعلاقات الثنائية بين البلدين»، وأن بلاده «تُعدّ شريكاً استراتيجياً لفرنسا». ووصف الرئيس الصيني العلاقة بين بكين وباريس بأنها «أكثر استقراراً»، منوّهاً بارتفاع حجم التجارة الثنائية بأكثر من 13 مليار دولار، وتجاوز إجمالي الاستثمار في كلا الاتجاهين 20 ملياراً.
وبينما تطرح أوروبا تساؤلات حول علاقتها مع «التنين» الصيني، ستنضم إلى الرئيسين، اليوم أيضاً، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، وذلك قبل انعقاد القمة الأوروبية ـــ الصينية في بروكسل، في التاسع من نيسان/أبريل المقبل. وتكمن أهمية الاجتماع الصيني ـــ الأوروبي في أنه يأتي بعد يومين من اختتام القمة الأوروبية، إذ كانت الصين الموضوع الرئيسي على جدول أعمال اليوم الثاني لها.
التكتل الأوروبي يخشى أن تتبع بكين سياسة «فرّق تَسُد» من أجل تعزيز نفوذها في القارة، وهنا قال ماكرون: «لسنوات كان لدينا نهج مبعثر، والصين ستلعب على انقساماتنا»، فيما دعا زعماء الاتحاد إلى مزيد من «المعاملة بالمثل»، و«الحزم في علاقة التكتل الاقتصادية مع الصين» بدءاً من التجارة إلى مراقبة الاستثمار والمشتريات العامة.
وعشية أعمال اليوم، كان شي قد وصل موناكو في زيارة رسمية غير مسبوقة، التقى خلالها الأمير ألبرت الثاني، وأجريا «محادثات معمّقة حول التعاون بين الصين وموناكو»، اللتين أصبحت علاقاتهما الثنائية «نموذجاً للتعاون الودي بين الدول الصغيرة والكبيرة»، وفق نائب وزير الخارجية الصيني، وانغ تشاو.
وكان شي قد اختتم أول من أمس زيارة إلى روما استمرت أربعة أيّام، أجرى فيها محادثات مع المسؤولين الإيطاليين، وحضر توقيع عدد من وثائق التعاون الثنائي بقيمة 2.5 مليار يورو (2.8 مليار دولار) وفق «وكالة الأنباء الصينية» (شينخوا). ووصف شي الزيارة بأنها «مُعمقة»، داعياً إلى تكثيف التبادلات الرفيعة المستوى لرفع الشراكة الشاملة إلى مستوى جديد بين البلدين.
لكن النتاج الحقيقي لزيارته تمظهر في توقيع مذكرة تفاهم بين بكين وروما للعمل المشترك من أجل دفع بناء «الحزام والطريق». ووفقاً لما جاء في وثيقة إعلان أصدرها البلدان، فإنهما «يقفان على أتم الاستعداد لتحقيق التلاؤم بين مبادرة الحزام والطريق، وشبكات النقل العابرة لأوروبا، وتعميق التعاون في الموانئ واللوجستيات والنقل البحري ومجالات أخرى».
يخشى التكتّل من اتباع بكين سياسة «فرّق تَسُد» لتعزيز نفوذها في القارة


وأثار هذا التوقيع موجة غضب داخل أوروبا والولايات المتحدة اللتين حذّرتا إيطاليا من الانضمام إلى المبادرة الصينية قبيل زيارة شي. رغم ذلك، لم يتوانَ الإيطاليون عن الوقوف في وجه الانتقادات الغربية؛ فقد دافع رئيس الحكومة جوزيبي كونتي عن الصفقة قبيل توقيعها، قائلاً إنها ستثمر عن «تعاون متوازن ومتبادل المنفعة بين البلدين وتعزيز الأعمال في موانئ مثل جنوة وتريست».
ووفق صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، التوقيع «أثار قلقاً واسعاً بين حلفاء روما، سواء الأوروبيين أم الأميركيين»، مشيرة إلى أن الدعم الإيطالي للمبادرة «يشكّل نصراً دبلوماسياً للصين». وقد أثارت مشاركة إيطاليا غضب ألمانيا خصوصاً، كما أدت إلى دعوة الاتحاد الأوروبي إلى «استخدام الفيتو لمنع عقد مثل هذه الاتفاقات». أيضاً، نقلت صحيفة «فونكه» عن مفوض الميزانية في الاتحاد الأوروبي، غنثر أويتنغر، قوله إنه قَلق لأنه «في إيطاليا، وفي عدد من الدول الأوروبية الأخرى، لم تعد البنية التحتية المهمة مثل شبكات الطاقة وخطوط السكك الحديدية السريعة والموانئ أوروبية، بل باتت في أيدي الصينيين»، مشيراً إلى أن «أوروبا تحتاج على نحو ملحّ إلى استراتيجية بشأن الصين»، علماً بأن دعوة المفوض جاءت بعد انتقاد وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، بشدة لروما، بسبب اتفاقها الأخير.