طوت إيران ساعات عاصفة تسببت بها استقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، تزامناً مع زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى طهران. ظهر ظريف في استقبال رئيس وزراء أرمينيا، أمس، إلى جانب كل من الرئيس حسن روحاني، ورئيس مكتب الرئاسة محمود واعظي. بدا الموقف أمام الكاميرات، والهمس بين الثلاثة مع الابتسامات، في لحظات انتظار الضيف الأرمني، مشهداً متعمّداً تصديره إلى المواطنين ومتابعي القضية في الخارج على السواء، إيذاناً بانتهاء «إضراب» رئيس الدبلوماسية الإيرانية. ويبدو أن «انتفاضة» ظريف لم تحدث خضة في عالم السياسة في إيران وحسب، بل طاولت تبعاتها بورصة طهران التي تراجعت إثر الخبر، لتعاود أمس تعويض الخسائر بعد رفض روحاني الاستقالة وعودة ظريف إلى متابعة نشاطه.
بدا الموقف أمام الكاميرات والهمس بين الثلاثة مع الابتسامات مشهداً متعمّداً (أ ف ب )

ظهور واعظي إلى جانب كلّ من ظريف وروحاني في استقبال الضيف الأرمني، بدا إشارة ذات دلالات لكلّ من عزا السبب الرئيس لتفجر غضب ظريف إلى تراكم الخلافات مع واعظي. الرواية الرسمية حول ما حصل خرجت أمس، إلا أنها أصبحت روايتين، في ظلّ تصريحين مختلفين لكل من الرئيس روحاني وقائد «قوة القدس» في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني. وإذ ألقى الأخير باللائمة على مؤسسة الرئاسة الإيرانية، وغمز من قناة واعظي بالقول: «يبدو أنه كان هناك بعض عدم التنسيق في مكتب رئاسة الجمهورية، ما أدى إلى غياب وزير الخارجية عن هذا اللقاء، وبالتالي عتابه اللاحق»، فإن روحاني قال في رسالته أمس لظريف: «أنا مدرك تماماً للضغوط التي يتعرض لها الجهاز الدبلوماسي في البلاد، والحكومة، وحتى رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب». وأضاف: «على السلطات والمؤسسات الحكومية كافة أن تنسق مع وزارة الخارجية بما يتعلق بالعلاقات الدولية كما تم الإيعاز به عدة مرات». رسالة روحاني لم توضح «الضغوط» المذكورة، والجهة التي تأتي منها، واكتفت برفض الاستقالة باعتبارها «تتعارض مع مصالح البلاد»، داعية ظريف إلى مواصلة مسيرته «بقوة وشجاعة ودراية». كما أشاد الرئيس الإيراني بوزير خارجيته قائلاً: «إنكم وبحسب قول قائد الثورة الإسلامية (المرشد خامنئي): الرجل الأمين والأبي والشجاع والمتدين، وفي الخط الأول لمواجهة الضغوط الأميركية الشاملة» ضد الجمهورية الإسلامية.
روحاني: ضغوط يتعرّض لها الجهاز الدبلوماسي والحكومة وحتى الرئيس


الرسالة الرئاسية لاقاها ظريف بعد دقائق فقط، برسالة شكر نشرها على حسابه في «إنستغرام» (حيث نشر استقالته سابقاً)، توجّه بها إلى «الشعب الإيراني والنخب والمسؤولين للتقدير الكبير» الذي عبروا عنه تجاهه منذ أن تولى مهامه، و«خصوصاً في الساعات الثلاثين الأخيرة». وزاد: «آمل بأن تتمكن وزارة الخارجية بدعم من المرشد الأعلى (علي خامنئي) والرئيس (روحاني) وتحت إشرافهما، من الاضطلاع بكل مسؤولياتها في إطار الدستور وقوانين البلاد».
بالعودة إلى تصريحات سليماني، فقد بدا الأخير حريصاً على ردّ الاعتبار لظريف، وهو الذي ظهر في الاجتماع إلى جانب الأسد وروحاني، بغياب وزير الخارجية. فشدّد سليماني على أن ظريف «هو فعلياً مسؤول السياسة الخارجية» للبلاد، موضحاً أنه «لم يكن هناك أي نية متعمّدة لاستبعاد ظريف عن هذين اللقاءين»، في إشارة إلى لقاءَي الأسد بكلّ من خامنئي وروحاني، بل ما جرى ناجم عن «عدم تنسيق في مكتب رئاسة الجمهورية». ونوّه بأن ظريف «كان خلال فترة مسؤوليته في وزارة الخارجية ولا يزال مدعوماً من كبار المسؤولين في النظام، خصوصاً قائد الثورة الإسلامية (المرشد خامنئي)».
ولم تقف خطوات «إعادة الاعتبار» لظريف ووزارته عند هذا الحد داخلياً، حيث دخلت دمشق على خط الأزمة، من بوابة تعويض الخسائر الناجمة عن زيارة رئيسها إلى إيران. وأفادت وكالة الأنباء الإيرانية بأن الرئيس الأسد وجّه، أمس، دعوة إلى الوزير ظريف لزيارة دمشق. جاء ذلك بعد اتصال هاتفي جمع كلّاً من ظريف ونظيره السوري وليد المعلم. وبحسب وكالة الأنباء السورية، فإن المعلم تلقى الاتصال من نظيره الإيراني متابعةً لنتائج زيارة الأسد إلى طهران.