منذ إعلان إمكانية تشكيل «ناتو عربي» لمواجهة إيران في العام الماضي، كان موقف طهران واضحاً باعتبار تلك التهديدات «مجرد شعار»، كما جاء على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي، الذي أشار إلى أن هذا «الحديث ليس جديداً، لكنه اليوم يثار بصوت أعلى». يتصدّر مشروع «الناتو العربي» جدول أعمال «مؤتمر وارسو»، الذي ـــ على رغم تراجع اللهجة الأميركية حول أهدافه، من مؤتمر يناقش «نفوذ إيران والإرهاب في المنطقة»، إلى «مناقشة السلام في الشرق الأوسط» ـــ سيكون موجّهاً في معظم فعالياته ضدّ إيران، بمعزل عن إمكانية نجاحه من عدمها. ورأى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن «الأميركيين غيروا عنوان المؤتمر» تفادياً لإعلان فشله قبل انعقاده، فيما رأى رئيس مجلس الشورى، علي لاريجاني، أن «الهدف الأميركي من مؤتمر وارسو قد يكون زرع الفرقة بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي». يتقاطع كلام لاريجاني مع تبني الاتحاد الأوروبي قبل أيام ما سمّاه «استنتاجات متعلقة بإيران»، أساسها «الالتزام الحازم» بالاتفاق النووي، مع الإبقاء على «مخاوفه من ترسانة إيران الباليستية وتدخلها في شؤون دول المنطقة»، وهو الهامش الذي تحركت فيه واشنطن للدعوة إلى المؤتمر.في ظلّ الخلافات والأزمات التي لا تزال تعصف بالدول المدعوّة إلى الانضمام إليه، لا يخرج «الناتو العربي» حتى الآن من إطار الحرب النفسية والكلامية التي يشنّها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على إيران. يُنظر إلى الإعلان عن «ناتو عربي» تحت ذريعة محاربة الإرهاب كـ«تحصيل حاصل»؛ إذ إن تحالفاً كهذا، قائم عملياً في سوريا والعراق واليمن. وما يجري، من وجهة النظر الإيرانية، «حرب نفسية» تقودها واشنطن، في محاولة للقول إن ثمة خطة ممنهجة تسير بثبات لتشكيل «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» (ميسا). يرى دبلوماسي إيراني سابق، في حديث إلى «الأخبار»، أنْ لا إمكانية لـ«ناتو عربي» بالكيفية التي تسعى إليها واشنطن؛ فـ«الحلف موجود في الأصل بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات وإسرائيل»، فيما يغيب أي موقف لدول مثل الكويت وقطر وسلطنة عمان والأردن ومصر، حتى بعد إعلان واشنطن نيتها تشكيل الحلف. «على الأرض لا وجود لناتو» يتابع المصدر، مشيراً إلى أن القائم «منظومة أميركية تعمل على نهب ثروات المنطقة»، و«لا يمكن هذا الناتو أن يتشكل من أربعة أطراف فقط». المثير للانتباه أيضاً، في هذا الصدد، أن التحالفات التي تدخل أبو ظبي والرياض مجتمعتين في تشكيلها، تفتقر إلى التماسك ووحدة الأولويات والأهداف، وهذا ما بدا واضحاً في اليمن.
وحول الاستعدادت الإيرانية للردّ إذا ما أقدمت واشنطن عبر حلفائها على توجيه أي ضربة إلى إيران، يؤكد مصدر إيراني فضّل عدم ذكر اسمه أن «طهران ستتعامل مع أي اعتداء، بغضّ النظر عن فاعله، أكان ذلك في إطار الناتو الحقيقي، أم ما يُسمى الناتو العربي»، وسواء «كان اعتداءً فردياً أو جماعياً»، مضيفاً أن «إيران على أتمّ الجاهزية والاستعداد» لمواجهة التهديدات الأميركية. وقد أرسلت طهران، وفق المصدر، «رسائل عدة إلى واشنطن» في الأشهر الماضية، «من بينها صواريخ أرض ــ أرض استهدفت موقع اجتماع سري لزعماء الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في العراق، والصواريخ الباليستية التي استهدفت مقارّ لتنظيم داعش في مدينة البوكمال السورية على بعد أميال من الوجود الأميركي».
يتضح أكثر، يوماً بعد يوم، أن أحد أهداف دعوة واشنطن إلى تشكيل «ناتو عربي» كان تحصيل المزيد من صفقات الأسلحة من دوله، بناءً على الخطاب الذي تبنّاه الرئيس الأميركي تجاه تلك الدول، والابتزاز المستمر الذي يمارسه علانية إزاءها، فيما قابلت طهران «إهانات» ترامب بالدعوة إلى حوار عربي - إيراني. لكن لا مؤشرات حتى الآن على استجابة خليجية للدعوة، في ظلّ حسم الرياض وأبوظبي خيارهما بالبقاء تحت المظلة الأميركية. إلى جانب المزيد من الصفقات، ثمة أهداف أخرى لواشنطن، من بينها تخويف إيران، من خلال بناء قواعد عسكرية جديدة في العراق والدول الخليجية تحت ذريعة مواجهة «الخطر الإيراني». تشير المعلومات إلى أن بعض الدول الأوروبية بدأت بالفعل الحشد عسكرياً إلى جانب واشنطن في الخليج، عبر قواعد عسكرية جديدة. وتفيد المعلومات بوجود عسكري فرنسي مستحدث في قاعدة الظفرة الجوية الإماراتية، انضمّ إلى الوجود الأميركي هناك، بالإضافة إلى انضمام قوات بريطانية أخيراً إلى الأسطول الأميركي الخامس في البحرين. خطوة تعيد إلى الأذهان الحلف الذي تزعّمته الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية ضد العراق، وتبعه وجود أميركي - أوروبي دائم في المنطقة.
الحشود العسكرية، بالإضافة إلى صفقات الأسلحة والتهويل بالتحالفات، جميعها عوامل تجيّرها واشنطن للضغط على طهران، بالتوازي مع العقوبات. لكن المفارقة أن الاختلاف في الرؤى بين الدول المدعوّة إلى الانضمام إلى «الناتو العربي»، يوازيه اختلاف مماثل بين دول «الناتو الغربي» لجهة التعامل مع إيران والاتفاق النووي المبرم معها؛ إذ تتمسك أوروبا بالاتفاق، وتحاول الالتفاف على العقوبات الأميركية، فيما تصرّ أنقرة (ثاني أكبر جيش في «الناتو») على تطوير العلاقة المتنامية بينها وبين طهران سياسياً واقتصادياً.