لم يتأخر الرد السلبي الأوروبي على طلب المشرّعين البريطانيين من رئيسة وزرائهم، تيريزا ماي، إعادة فتح معاهدة الخروج من الاتحاد الأوروبي، «بريكست»، من أجل إدخال تعديلات على الاتفاق المبرم مع بروكسل، وذلك بعد ليلة صوّت خلالها النواب في مجلس العموم على سبعة مشاريع لتعديلات قانونية غير ملزمة للحكومة، تتعلّق بخطة الخروج، مرّ منها تعديلان فقط. التعديلان اللذان حظِيا بدعم النواب يصبّان في مسار واحد، وهو محاولة البرلمان قطع الطريق على الخروج من دون اتفاق. وعلى رغم أن التعديل الأول يلحظ ذلك بشكل مباشر وواضح، إلا أن التعديل الثاني يدعم قيام ماي بإعادة صياغة الاتفاق الذي قدمته للبرلمان، وإجراء مفاوضات جديدة مع بروكسل على ترتيبات خاصة جديدة في ما يتعلق بمسألة حدود إيرلندا الشمالية تضمن حدوداً مفتوحة، وهي المعضلة الأبرز التي من شأنها عرقلة أي اتفاق. في المقابل، رفض البرلمان تعديلاً تقدم به زعيم حزب «العمال» المعارض، جيرمي كوربن، طالب فيه بإعطاء المؤسسة التشريعية الحق في التصويت لمصلحة خيارات، من بينها الاستفتاء الثاني. الأمر نفسه بالنسبة إلى النائبة «المحافظة» إيفيت كوبر، التي أخفقت في تمرير تعديلها الذي يقضي بتمديد فترة البقاء في التكتل الأوروبي. وعلى رغم أن ليلة التعديلات تلك زادت المشهد البريطاني تعقيداً، بعدما بات يسيطر احتمالان على «بريكست»: أولهما اتفاق هشّ، وثانيهما خروج من دون اتفاق، إلا أن الانفراجة الوحيدة التي سُجّلت هي موافقة كبير المعارضين، كوربن، على لقاء ماي، بعد رفضه دعوات متكرّرة وجهتها إليه، الأمر الذي قد يؤدي إلى توافق على خطة للخروج من الاتحاد.
أكد يونكر أن إعادة التفاوض بشأن «بريكست» غير ممكنة


أوروبياً، قال كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، إن «موقف الاتحاد الأوروبي واضح للغاية»، وذلك في معرض تعليقه على هذه التطورات. وهو ما كان قد أكده متحدث باسم رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، دونالد تاسك، عقب التصويت، مشيراً إلى أن «الترتيب الخاص بإيرلندا جزء من اتفاق الانسحاب وليس مطروحاً للتفاوض». هذا الموقف ردّدته أيضاً الحكومة الإيرلندية، إذ قالت وزيرة الشؤون الأوروبية في إيرلندا، هيلين مكنتي، في معرض الدفاع عن الاتفاق، إن «هذا اتفاقاً جرى التفاوض عليه مع لندن، ووقعت عليه رئيسة الوزراء، ومع هذا يبدو الآن أن هناك نكوصاً وتراجعاً عن الالتزامات التي قُدمت». من جهته، أكد رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أن إعادة التفاوض حول «بريكست» غير ممكنة. وقال إن الاتفاق الحالي «يُعدّ الأفضل، ولا يوجد أي اتفاق آخر غيره ممكن»، واصفاً تصويت النواب بأنه «لا يغير شيئاً». كذلك، أشار يونكر إلى أن بروكسل «ليس لديها حافز أو رغبة في استخدام خطة باكستوب، غير أن هناك حاجة إليها لتعمل كشبكة أمان».

مواجهة جديدة لماي...
الحدث البرلماني كان حديثاً للصحافة البريطانية، التي أبرزت في أعدادها الصادرة، أمس، تأييد البرلمان البريطاني مساعي رئيسة الوزراء، واصفة ماي بأنها «المرأة التي لا تُقهر»، كونها تجاوزت واحدة من أبرز التحولات في التاريخ السياسي. وفي الوقت الذي تتابع فيه كل الصحف حلقات مسلسل «بريكست»، عنونت صحيفة «دايلي مايل» غلافها بعبارة «انتصار تيريزا ماي». وقالت الصحيفة المؤيّدة لخطة ماي، إن «عنصر التشويق قد غلب على أشغال مجلس العموم البارحة، لكن رئيسة الوزراء نجحت في الفوز بتصويت حاسم، وتوحيد صفوف حزبها المحافظ، وهزيمة جيريمي كوربن».
الأمر نفسه تكرّر في صحيفة «ذي آي نيوز»، التي نشرت مقالاً بعنوان: «رئيسة الوزراء البريطانية وحّدت حزب المحافظين حول اتفاق غير موجود»، أشارت خلاله إلى أن ماي «نجحت أخيراً في توحيد حزبها بشأن موقفها من بريكست». وأضافت أن المشكلة الوحيدة، الآن، أن هذا الاتفاق «غير موجود». وعن التعديلات المطلوبة على اتفاق «بريكست» التي عرضتها ماي، قالت الصحيفة إنه يُنظر إليها على أنها فرصة للحصول على اتفاق «أكثر سلاسة»، لاسيما بعد الهزيمة التاريخية لماي في مجلس العموم، الشهر الماضي. وختمت بالقول إنه بعد نجاح خطة ماي في البرلمان، فإن رئيسة الوزراء قد «تجادل بأن المعضلة في التصديق على اتفاق بريكست هو الخلاف بشأن ترتيب الحدود مع إيرلندا».
في المقابل، رأت صحيفة «مترو» أن متاعب ماي «لم تنتهِ بعد»، مضيفة أنه سيتعين عليها الآن «مواجهة مشاكل جديدة مع الاتحاد الأوروبي». وأشارت إلى أن دور الاتحاد الأوروبي قد حان ليقول كلمته حيال مشروع اتفاق جديد مع بريطانيا. ولفتت صحيفة «ذي إندبندنت»، من جهتها، إلى أن أعضاء من حزب «المحافظين»، المؤيدين والمعارضين للبقاء في الاتحاد، «يمارسون ضغوطاً على ماي، لإجبارها على قبول خطة ثالثة تخص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي». وقالت الصحيفة إن مؤيدي بقاء بريطانيا في التكتل، ومن بينهم وزراء، «وضعوا اتفاقاً مع ستيف بيكر، الوزير السابق المكلف بشؤون بريكست، وجاكوب ريس ــ موج، العضو البارز في حزب المحافظين المؤيد لبريكست، بشأن مغادرة الاتحاد، وفي الوقت نفسه تجنب حدوث انهيار داخل حزب المحافظين المتصارع». وأكدت أن «التكتل سيرفض الخطة الجديدة حتى وإن تبنتها الحكومة». وأضافت أنه «من غير الواضح ما إذا كانت تيريزا ماي أيدت هذه المحادثات، على رغم أن وزيرة التعليم البريطانية السابقة، نيكي مورغان، المؤيدة للبقاء في الاتحاد، أصرّت على أن ماي كانت على علم بهذا الاتفاق الجديد». ومع ذلك، قالت مورغان إن هذه الخطة قد «تكلّلت بالنجاح»، إذ أكدت أنه يوجد أشخاص مثلها يريدون تجنب عواقب «بريكست» بدون اتفاق، مؤكدة أنها على استعداد للتوصّل إلى حل وسط من أجل تحقيق ذلك.