تتوج قمة أنقرة التعاون السياسي الذي بلغ مستوى متميزاً بشهادة الجارين، إيران وتركيا، إلى رفع منسوب التعاون الاقتصادي بينهما، على توقيت العقوبات الأميركية ضد طهران، وكذلك الأزمة الاقتصادية في تركيا. فالمرحلة الماضية التي زخرت باختبار العلاقة السياسية بين البلدين، في أكثر من محطة، أبرزها مفترق محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، ومن ثم الملف الكردي، وأزمتا سوريا والعراق، أشعرت الجانبين بأهمية مضاعفة التعاون والتقارب. إذ إن القوتين الإقليميتين تتشاركان نظرة مشتركة إلى المنطقة العربية الجارة، عنوانها ضرورة التفاهم معاً للتأثير في الأزمات وبؤر الصراع، مقابل تأثير اللاعبين الدوليين الذين لا يراعون مصلحة المنطقة وأمنها. هذا ما عبر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء استقباله نظيره الإيراني، من خلال القول إن «المنطقة تلقي مسؤولية كبيرة على عاتق تركيا وإيران»، مستشهداً على ذلك بالتفاهمات الناجحة، بالتعاون مع الروس، في شأن الملف السوري، معتبراً أنه «يتوجب على تركيا وروسيا وإيران إرساء الأمن بالمنطقة». الأمر نفسه أشار إليه الرئيس الإيراني بالقول: «تركيا وإيران وضعتا إرادة مشتركة من أجل إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، لتوفير أرضية أفضل للأنشطة الاقتصادية والتجارية وتنمية كاملة فيها»، وإن «متانة العلاقات بين البلدين تساهم في تطوير المنطقة وتعزيز أمنها واستقرارها».لكن الطرفين اللذين انتقلا من مرحلة تحييد الملفات وتنظيم الخلاف، إلى تعاون سياسي وأمني أكبر، ثنائي وفي الإقليم، يعانيان من تراجع التعاون الاقتصادي بين البلدين، ما جعل هذا التعاون عنوان زيارة روحاني التي شملت عقد مجلس التعاون ومنتدى الأعمال، ما يوجه الأنظار صوب نتائج اختبار هذا المستوى من العلاقة، بعد نجاح الاختبار في المستوى السياسي. فحجم التبادل التجاري الذي بلغ العام الماضي 10.7 مليار دولار، ومن المتوقع أن يحقق العام المنصرم مستوى مقارباً له، بلغ في عام 2012 ما يقارب 22 مليار دولار. وهو رقم استدل به أردوغان أمام ضيفه الإيراني لتأكيد إمكانية «رفع علاقاتنا الاقتصادية إلى نفس مستوى علاقاتنا السياسية» و«إمكانية تحقيق البلدين لأهدافهما» المتمثلة بتحسين هذه العلاقة.
وفي لقاء الرئيس روحاني، بنظيره التركي في مقر الرئاسة التركية بأنقرة، أمس، وبعده الاجتماع الخامس لـ«مجلس التعاون» بين البلدين، ومن ثم اجتماع «منتدى الأعمال الإيراني التركي»، بدا الطرفان منكبين على الجانب التجاري والاقتصادي. وهو جانب يعاني منذ العقوبات الأميركية من انخفاض في حجم التبادل بلغ 11.5 في المئة، وفق ما ذكرت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان. وعلى رغم إشارة أردوغان إلى «اضطرار» بلاده لمنع تأثير العقوبات الأميركية ضد إيران «على تحقيق تركيا لأهدافها»، فإنه جدد رفضه للعقوبات ودعا إلى تحويلها «لفرصة إيجابية في علاقاتنا»، منوهاً بأنه «لا ينبغي لأحد أن يعتقد بأننا سننهي علاقاتنا الاقتصادية والتجارية مع إيران بسبب العقوبات». هذا التعاون التجاري والاقتصادي، وإن يبدو أنه حاجة أكبر لطهران في ظل العقوبات، لكنه يظل يحظى بمصالح متوازنة في ظل أزمة أنقرة الاقتصادية وحاجتها إلى الطاقة الإيرانية، لا سيما الغاز، وفرص كبيرة للاستثمار التركي لدى الجار الشرقي.
دعا أردوغان إلى تحويل العقوبات إلى فرصة إيجابية في العلاقات


وموقف تركيا من العقوبات، تشعر طهران تجاهه بالامتنان، كما عبر روحاني في أكثر من محطة في الزيارة، وتحتاج إلى ترجمته على الأرض، بما يلتف على تأثير العقوبات، ويتيح تفعيل البوابة التركية للاقتصاد الإيراني بوجه الضغوط الأميركية. هذا ما دفع الرئيس الإيراني إلى الاستفاضة في كلمته أمام منتدى الأعمال المشترك، حول الجوانب الممكنة للتعاون، إذ أكد أنه «إذا أراد المستثمرون الأتراك الاستثمار في أي منطقة في إيران، مثل بناء مصفاة والعمل في مجال البتروكيماويات، فنحن مستعدون لتخصيص جميع المواد والمنافذ والمناطق والمرافق الضرورية لهم»، مضيفاً: «المواد الخام والأماكن اللازمة والمرافق من عندنا والاستثمار من عندكم، كما أنه بإمكانكم تصدير جميع المنتجات إلى تركيا أو إلى بلد ثالث». وشدد على أن بلاده مستعدة لتوفير الطاقة لتركيا «على المدى الطويل». من جانبها، نوهت وزيرة التجارة التركية في كلمتها إلى ضرورة رفع حجم التجارة الثنائية إلى 30 مليار دولار، وفق ما دعا إليه كل من روحاني وأردوغان، وعبرت عن رغبة حكومتها في رفع حجم التجارة من خلال تفعيل «اتفاق التجارة التفضيلية» الموقع في 2015، وهو ما علق عليه أردوغان بالقول إن القمة «نقطة تحول» في المفاوضات المتعلقة بتعزيز الاتفاق.
سياسياً، وإلى جانب تكرار المواقف المشتركة في شأن الملف السوري وتأكيد الالتزام بـ«صون وحدة الأراضي السورية» ودعم مسار أستانا، قال روحاني «في شأن الظروف الصعبة للغاية التي يمر بها الشعب اليمني، اتخذنا معاً قراراً لضمان السلام والاستقرار» في هذا البلد، داعياً إلى دعم الحوار بين الفرقاء اليمنيين.