تتالت الردود الروسية على الاتهامات الأميركية لموسكو بخرق اتفاقية الحد من «انتشار الأسلحة النووية متوسطة المدى». موقف موسكو يأتي غداة تهديدات أطلقها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أمهل فيها روسيا ستين يوماً للتقيّد بالمعاهدة، وإلّا فإن حكومته ستنسحب منها، بموازاة إعلان الأمين العام لحلف «شمال الأطلسي» ينس ستولتنبرغ، بعد اجتماع لوزراء دفاع الحلف في بروكسيل، أنه «باتت لدى روسيا اليوم فرصة أخيرة للتقيد من جديد بالمعاهدة... علينا أيضاً أن نبدأ بالاستعداد لعالم من دون معاهدة». كما وتبنى «الناتو» بعد ذلك بياناً اتهم فيه موسكو بانتهاك المعاهدة والتسبب بأخطار كبيرة للأمن الأوروبي الأطلسي.في واجهة الردود، جاء موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ندّد باتهامات واشنطن بانتهاك المعاهدة المبرمة عام 1987، بينما انتقد رئيس أركان الجيش الروسي المحاولات الأميركية لـ«احتواء» روسيا. ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن الرئيس الروسي قوله: «في البداية أعلن الجانب الأميركي نيته الانسحاب من المعاهدة، ثمّ بدأ البحث عن مبررات للقيام بذلك»، مضيفاً أن «التبرير الأول هو أننا ننتهك شيئاً ما. في الوقت نفسه، وكالعادة، لم يتمّ تقديم أي دليل على هذه الانتهاكات من جانبنا». وأكد بوتين أن بلاده تعارض إلغاء المعاهدة وهي ستردّ «بالشكل المناسب» في حال انسحبت واشنطن، معتبراً أن «القرار اتخذ منذ وقت، وتكتموا عليه، متوهمين أننا لن نلاحظ ذلك، إلا أن ميزانية البنتاغون تشمل تطوير هذه الصواريخ، ولم يعلنوا عن قرار انسحابهم إلا بعد ذلك». وعلّقت الخارجية الروسية على تصريحات ستولتنبرغ وبومبيو، بنفي وجود الأدلة. وأكدت الناطقة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا، أن «روسيا تلتزم ببنود المعاهدة التزاماً صارماً، والجانب الأميركي على علم بذلك». وأوضحت أن سفارة واشنطن لدى بلادها اكتفت بتقديم مذكّرة تفيد بأنها «ستنسحب من المعاهدة في غضون شهرين ما لم تلتزم موسكو بالبنود»، منوّهة بأن المعاهدة تعدُّ «حجر أساسٍ للأمن والاستقرار العالمي»، وموسكو «مستعدّة للمزيد من المحادثات مع واشنطن في شأنها».
ردُّ الخارجية جاء بعد تصريحات أكثر تشدداً خرجت عن وزارة الدفاع الروسية. وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، قال إن بلاده «تستعرض الإجراءات التي ستتخذها في حال انسحاب واشنطن»، مضيفاً أن مسؤولي الوزارة عقدوا سلسلة اجتماعاتٍ مع الرئيس الروسي لمناقشة هذه الإجراءات. أما الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، فأكد أنه «تم تشويه الوقائع لإخفاء الهدف الحقيقي من الانسحاب الأميركي من المعاهدة». ولم تمنع التهديدات الأميركية رئيس أركان الجيش الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف، من التأكيد أن «موسكو ستزيد حجم ترسانتها النووية»، إذ صرّح في بيان: «يتبيّن أن أحد العوامل الأكثر تدميراً الذي يُعقّد العلاقات الدولية هو تصرفات واشنطن التي تحاول إبقاء دورها في السيطرة على الشؤون الدولية». وتابع: «لهذا الغرض تتخذ واشنطن وحلفاؤها تدابير معقدة ومنسقة لاحتواء روسيا وتشويه دورها في الشؤون الدولية».
نشر الجيش الروسي شريطاً مصوراً لتجربة نظام «بيريسفيت» المتطور


وفور إعلان غيراسيموف، قام الجيش الروسي بنشر لقطات مصوّرة لأنظمة «بيريسفيت» الليزرية القتالية (أعلن عنها بوتين في آذار/ مارس الماضي قبل أن يختار لها اسماً)، التي أدخلت للخدمة في القوات المسلحة. وأظهر مقطع فيديو قصير تجربة نظام الليزر خارج تيكوفو (غرب موسكو)، حيث خرج نظام السلاح المتطور ببطء من ساحة طائرات، ثم دفع جهازاً على شكل برميل، يفترض أنه عدسة ليزر، بعدها انتقلت الكاميرا سريعاً إلى غرفة التحكم والمشغل الذي يتعامل مع النظام عن طريق التحكم من بعد. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن طواقمها خضعت لتدريبات صارمة لضمان تشغيل النظام المتطور في شكل سليم خلال عملية الانتشار العسكري، من دون إيضاح مهمة السلاح الذي انقسم المراقبون في تفسير عمله، ما إذا كان نظام تشويش أو نظام تدمير للأهداف (خصوصاً الجوية) في كسور من الثانية.
الخوف من حرب باردة جديدة، دفع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، لحثّ موسكو وواشنطن «على إنقاذ المعاهدة»، محذرة من أن أوروبا لا تريد أن تصبح ساحة معركة للقوى العالمية مرة أخرى، كما كانت خلال الحرب الباردة. وشددت موغيريني على أنه «يجب أن يتمّ التقيد بها في شكل كامل»، آملة في أن يتم استخدام «الوقت المتاح للعمل على الحفاظ على المعاهدة وتحقيق التنفيذ الكامل لها بشكل حكيم من جانب جميع الجهات». يُذكر أن المعاهدة الموقعة منذ أكثر من ثلاثين عاماً عادت إلى الواجهة في تشرين الأول/ أكتوبر، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن بلاده تنوي «إنهاء الاتفاق» وتطوير أسلحة نووية من جديد. على رغم ذلك، أعلن ترامب المعتاد على تغيير مواقفه، الاثنين الماضي نيته العمل مع روسيا والصين بهدف وقف ما وصفه بـ«سباق تسلح كبير وخارج عن السيطرة».