اختار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فنزويلا محطة أخيرة في زيارته لأميركا الجنوبية، قادماً من باراغوي، وقبلها في قمة «العشرين» التي عقدت في الأرجنتين. وعلى رغم ضبابية العلاقات التركية مع الولايات المتحدة، فإن أردوغان، الذي اصطحب وزراءه للدفاع والطاقة والتجارة والمالية، حرص على الزيارة التي أحيطت بحفاوة فنزويلية واضحة، وهو ما يبعث برسائل إلى واشنطن من خلال توثيق الصلة بخصم الولايات المتحدة اللاتيني. وبالفعل فقد صعدت علاقات أنقرة وكاراكاس صعوداً هائلاً، في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع توتر العلاقات بواشنطن. ولم يقتصر الأمر على حضور الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مراسم تنصيب أردوغان رئيساً في تموز/يوليو الفائت، بل ارتفع التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 970 مليون دولار، وهو ما يتجاوز مجموع حجم التبادل في خمسة أعوام سابقة. وتشير الإحصاءات التركية إلى أن الصادرات التركية إلى فنزويلا فاقت العام الماضي 67 مليون دولار، بينما استوردت تركيا من فنزويلا ما تصل قيمته إلى أكثر من 903 ملايين دولار. ويلفت الإعلام التركي في سياق الإشارة إلى تطور العلاقات إلى أن القناة الرسمية الفنزويلية بدأت بعرض مسلسل «قيامة أرطغرل»، مع ملاحظة أن مادورو من محبّي العمل التاريخي، وقد زار موقع تصويره أثناء وجوده في اسطنبول. لكن الأهم من كل ذلك تجاوب كاراكاس مع أردوغان في حربه على الانقلاب العسكري ومنظمة «غولن»، وذلك عبر طرد العديد من أتباع المنظمة وتسليم مدرستين إلى وزارة التعليم التركية.
شكر أردوغان كاراكاس على ملاحقة منظمة «غولن»

وفي كاراكاس، أكد أردوغان مواقفه «التضامنية» مع الرئيس مادورو الذي يواجه معوقات من الداخل، والخارج لا سيما الولايات المتحدة، إذ شدد الرئيس التركي على أن بلاده لا تقر العقوبات الأحادية والتقييد التجاري وتعتبرها «خطأ كبيراً ومن شأنها أن تزيد عدم الاستقرار». وزاد «من غير الممكن تسوية القضايا السياسية عبر معاقبة شعب بأكمله، وهي تجربة مريرة ثابتة في التاريخ»، مؤكداً «حيادية» الموقف التركي والتعاون مع جميع البلدان، ومنوهاً بحضور مادورو قمة «مجلس التعاون الإسلامي» من أجل القدس في إسطنبول «في وقت تزايدت فيه حدة العداء للإسلام والأجانب في العالم الغربي». وهو حضور رأى فيه «أمراً مهماً وخطوة قيّمة جداً، وأعلم أن وقوف فنزويلا إلى جانب المظلومين أزعج بعض الجهات». وبعد شكره على ملاحقة منظمة «غولن»، توجه إلى نظيره الفنزويلي بالقول «واثق بأن صديقي مادورو أيضاً سيحبط بدعم وتضامن الشعب الفنزويلي محاولات التطويق الاقتصادي».
إلى جانب العنوان السياسي، احتل التعاون الاقتصادي المساحة الأبرز من تصريحات أردوغان، إذ يريد الأخير مشاطرة تجارب بلاده الاقتصادية مع «الأصدقاء الفنزويليين بما يعود بالفائدة على كلا البلدين» اللذين يملكان «إمكانات اقتصادية واستثمارية كبيرة» من شأن استغلال فرصتها «تعميق العلاقات التجارية على أساس الربح المتبادل». وفي هذا الشأن أشار إلى أن «الاجتماعات التي سنعقدها اليوم (أمس) مهمة جداً لتطوير علاقاتنا الاقتصادية، وسنوقّع عدداً من الاتفاقيات، وبعد أن تدخل تلك الاتفاقات حيّز التنفيذ، سنكون قد أسّسنا آلية اللجنة الاقتصادية المشتركة بين الطرفين». من جهته، أشار مادورو إلى أن الزيارة تأتي لمناقشة العلاقات الاقتصادية، لافتاً إلى أن بلاده «تتبوّأ مركزاً مرموقاً في قطاع الذهب، وسنحقق هدفنا ونكون ثاني بلد في العالم من حيث احتياطي الذهب، ويمكننا التعاون مع تركيا في مجال الذهب والمعادن، وبإمكاننا توسيع نطاق التعاون في مجال السياحة»، داعياً رجال الأعمال الأتراك إلى الاستثمار في فنزويلا.