المكسيك وأميركا اللاتينيّة يحتفلان! انتخبت المكسيك (في بداية الشهر الجاري) رئيساً يمكنه إعلاء دور أمته في التاريخ! صار أندريس مانويل لوبيز أوبرادور الرئيس المقبل للولايات المتحدة المكسيكيّة بعد انتصار انتخابيّ عريض وساحق لا يرقى إليه الشكّ. وترشّح الرجل عن «حركة التجديد الوطنيّ» التي أسسها هو، والتي شكلّت تحالف «معاً سنصنع التاريخ» مع حزبي «العمل» و«اللقاء الاجتماعيّ».وتكمن هيبة أوبرادور أساساً في نزاهته وموضوع حملته الانتخابيّة: «أمل المكسيك» الذي صار الآن حقيقة.
يمثّل الانتصار الشعبيّ في بلد القسّ إيدالغو، بنيتو خواريز، إيميليانو زاباتا، بانشو فيا، ولازارو كارديناس، حدثاً مهماً في التاريخ السياسيّ لأميركا اللاتينيّة والكاريبي، فهو يُحدث نقلة في ميزان القوى لمصلحة النضالات الشعبيّة والوحدة الأميركيّة اللاتينيّة ودعم الحكومات التقدميّة ضدّ النيوليبراليّة.
نشهد الآن بروز حكومة شعبيّة تبشّر سياستها الخارجيّة بخوض صراع ثابت دفاعاً عن السيادة، الاستقلال، عدم التدخّل والحلّ السلميّ للصراعات. وقد طُرحت هذه المبادئ عند إعلان أميركا اللاتينيّة والكاريبيّ منطقة سلام في قمّة هافانا الثانية لمجموعة دول أميركا اللاتينيّة والكاريبيّ، وهي تمثّل أدوات حيويّة للدفاع عن السلام في المنطقة.
ومن بين أكثر التحديات العاجلة والقاسية التي ستواجه أندريس أوبرادور عند توليه الرئاسة في بداية كانون الأوّل/ ديسمبر، أي بعد فترة انتقاليّة تدوم خمسة أشهر، انعدام الأمن، والعنف، والتفاوت الاجتماعيّ، والفقر، وهي مسائل مرتبطة باستشراء الفساد والعلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة، خصوصاً مع تهديد الرئيس الأميركيّ ببناء جدار لعزل بلده عن العالم ودفع كلفته من الموازنة المكسيكيّة.
في ما يتعلّق بعلاقات المكسيك وأميركا اللاتينيّة بالجارة الشماليّة، يتردّد دائماً صدى المثل القائل: «المكسيك، بعيدة جداً عن الربّ وقريبة جداً من الولايات المتحدة»، ونستذكر اليوم الدراسة التنبؤيّة التي نشرها أوبرادور في شهر نيسان/ أفريل 2017 على صفحات جريدة «لوموند ديبلوماتيك» بعنوان «لسنا محميّة أميركيّة»، والتي تتحدّث عن الاستراتيجيّة التي ستقود دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة ووضع المكسيك في ظلّ حكمه: «قبل نحو عامين، بدأ الرئيس المستقبليّ دونالد ترامب ومستشاروه في دراسة مزاج الأميركيين على نحو منهجيّ، ووجدوا من بين الأحاسيس الأكثر تكرراً: خيبة الأمل، السخط، الغضب، الحزن واليأس. كان يكفي الاستفادة من هذا المزاج العام عبر إعطائه صوتاً وتأويلاً، على أمل أن يخترق كلّ المجتمع... قبل تنصيبه مرشحاً جمهوريّاً، صار من الواضح أنّ حملته ضدّ المكسيكيّين لم تكن مؤسسة على تحليل اقتصاديّ، بل هي تعبّر عن مصالح سياسيّة: أراد البعض الاستفادة من الشعور القوميّ الأميركيّ».
يعد الرئيس المكسيكيّ المنتخب بقطع «رأس الامتيازات»، وإنهاء «سلطة المافيا» والفساد وإعطاء الأولويّة للفقراء. ويجسّد ابن التاجر هذا، المولود في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1953 في ولاية تباسكو، رغبة الكثير من المكسيكيّين في التغيير. هو زعيم شعبيّ ينقل في خطابه الثقة في النفس، وبنداء وحيد منه، يملأ عشرات آلاف الناس الساحات العامّة.
من الناحية الأيديولوجيّة، ليس من السهل تصنيفه، لكن الإعلام والناس يعتبرونه بصفة عامة سياسيّاً يسارياً وصادقاً. من الناحية الاقتصاديّة، هو ملتزم بالسوق الداخليّة، أي بوضع ضمانات للأسعار في الريف ومراجعة فتح قطاع المحروقات في وجه رأس المال الخاصّ. أما من الناحية الاجتماعيّة، فهو يسعى للحدّ من التفاوتات لكنّه يتجنّب الخوض في قضايا تعتبر ضمن أجندة اليسار التقليديّة، مثل الإجهاض والزواج المثليّ.
بعد خسارته في انتخابات عامي 2006 و2012، عدل خلال حملته الأخيرة من خطابه لجذب قطاعات لم تكن تثق سابقاً في خطابه التقدميّ، لكنّها لم تستطع إدارة وجهها عن تماهيه مع الناس المتواضعين.
في واقع الأمر، يقترح أوبرادور إجراء تغييرات في النظام السياسيّ شبيهة بتلك التي دفعت بها ثورة 1910. وقد أعلن أنّه يستلهم من آباء الوطن الذين تركوا دروساً حول النضال في سبيل العدالة، الديموقراطيّة، والسيادة الوطنيّة.
* أستاذ في المعهد العالي للعلاقات الدوليّة بهافانا