ليست هذه المرة الأولى التي تنسحب فيها الولايات المتحدة من المنظمات الدولية منذ تولي إدارة الرئيس دونالد ترامب السلطة في البلاد منذ سنتين، وذلك في مناصرة إضافية لإسرائيل. فبعد انسحابها من «منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة» (يونسكو) بسبب ما وصفته الموقف المعادي لإسرائيل، وإيقافها تمويل «صندوق الأمم المتحدة للإسكان»، وأيضاً إنهائها المشاركة في الاتفاق العالمي بشأن الهجرة الآمنة والنظامية، ثم انسحابها من اتفاق باريس العالمي للمناخ، وخفضها أكثر من النصف مساهماتها في «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) في ما بدا عقاباً للسلطة الفلسطينية، قررت سحب عضويتها من «مجلس حقوق الإنسان» التابع للمنظمة الدولية، عازية ذلك إلى «التحيز المزمن ضد إسرائيل»!القرار أعلنته «واجهة الهجوم»، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بالاشتراك مع وزير الخارجية، مايك بومبيو، مساء أول من أمس، موضحة أن «التحيز ضد إسرائيل» أحد الأسباب الرئيسية وراء القرار. ولفتت أيضاً إلى أن «مجلس حقوق الإنسان ظلّ لمدة طويلة حامياً لمنتهكي حقوق الإنسان ومكاناً للتحيز السياسي»، مضيفة أن «مجلساً يضم دولاً تنتهك حقوق الإنسان مثل الصين وكوبا وفنزويلا وجمهورية الكونغو الديموقراطية... لا يستحق الاسم الذي يحمله». وأكد المسؤولان الأميركيان أن بلادهم ستبقى على رأس المدافعين عن حقوق الإنسان، مستدركين: «في نظر كثيرين، يعكس القرار عداء ترامب للأمم المتحدة وللتعددية في العمل الدبلوماسي عامة».
قرار واشنطن «غير المُفاجئ» جاء بعدما انتقد المجلس واشنطن بسبب فصلها الأبناء القاصرين للمهاجرين غير الشرعيين عن ذويهم الذين يتطلعون للحصول على لجوء بعد دخولهم البلاد من المكسيك، لكن هايلي وبومبيو أكدا أن القرار اتُّخذ بعد سنة من الجهود لدفع المجلس إلى إصلاحات، واستبعاد الدول الأعضاء «التي ترتكب تجاوزات» منه.
شكر بنيامين نتنياهو الإدارة الأميركية على قرارها


في المقابل، صدرت ردود فعل منتقدة من مسؤولين أوروبيين وأمميين، إذ أبدى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أسفه لانسحاب الولايات المتحدة من «مجلس حقوق الإنسان»، معتبراً أنه كان «من الأفضل بكثير» لو بقيت واشنطن عضواً في هذه الهيئة الأممية، التي تتخذ من جنيف مقراً لها. وقال غوتيريس في بيانٍ أمس، إن «بنية مجلس حقوق الإنسان... تلعب دوراً مهماً للغاية في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أنحاء العالم». أما مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن الحسين، فقال في تغريدة على «تويتر»، إنه «بالنظر إلى حالة حقوق الإنسان في عالم اليوم، كان ينبغي للولايات المتحدة أن تعزز (جهودها)، ولا تنسحب».
وفي الوقت نفسه، قالت منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن القرار «ينطوي على مخاطرة الإضرار بدورها (واشنطن) الدولي»، مضيفة أن «الولايات المتحدة كانت دوماً في طليعة حماية حقوق الإنسان في أنحاء العالم، ولطالما كانت لسنوات عدة شريكاً قوياً للاتحاد» في المجلس. كذلك، عبّر وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، عن «الأسف»، مؤكداً أن دعم بلاده للمجلس لا يزال ثابتاً. وأضاف جونسون: «لم نخفِ حقيقة أن بريطانيا تريد إصلاح مجلس حقوق الإنسان، لكننا ملتزمون العمل على تقوية المجلس من الداخل».
جراء ذلك، دافع رئيس «مجلس حقوق الإنسان»، فويسلاف شوتز، عن عمل المجلس، قائلاً إنه ضروري في وقت تواجه فيه تعددية الأطراف تحديات. وأضاف: «في أوقات عدة، يعمل المجلس كنظام إنذار مبكر من خلال دق أجراس الإنذار قبل الأزمات الوشيكة أو المتفاقمة»، مشيراً إلى أن جهودهم «تؤدي إلى نتائج ذات معنى بالنسبة إلى عدد لا يحصى من ضحايا حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم». لكن منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية، وصفت عبر مديرها التنفيذي، كينيت روت، سياسة واشنطن في مجال حقوق الإنسان بأنها من «طرف واحد»، مضيفاً أن المجلس «يلعب دوراً مهماً في دول كثيرة مثل كوريا الشمالية وسوريا وميانمار وجنوب السودان، لكن ترامب على ما يبدو لا يهتم إلّا بالدفاع عن إسرائيل».
على الجانب الآخر، شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ترامب وبومبيو وهيلي على «قرارهم الذي يرفض نفاق مجلس حقوق الإنسان الأممي وأكاذيبه»، قائلاً إنه «على مدار سنوات طويلة، أثبت المجلس أنه جهة منحازة وعدائية ومعادية لإسرائيل تخون مهمتها، وهي الدفاع عن حقوق الإنسان». وأضاف نتنياهو: «قرار الانسحاب من هذه المنظمة المنحازة يشكل تصريحاً لا لبس فيه بأنه قد طفح الكيل»... بدلاً من التركيز على أنظمة تنتهك حقوق الإنسان بمنهجية، يركز المجلس بهوس على إسرائيل، وهي الدولة الديموقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط».