على بعد أيام من اجتماعها الحاسم المتوقع الأسبوع المقبل لتقرير المضي في زيادة إنتاج النفط من عدمه، أصدرت منظمة «أوبك»، أمس، تقريرها الشهري الذي تحدث عن «ضبابية شديدة» تكتنف آفاق سوق النفط في النصف الثاني من العام الحالي. ضبابية يُفترض أن تدفع المصدّرين إلى التريث في تخفيف قيود الإنتاج، إلا أنها لن تفعل ذلك، على ما يبدو، في ظل توقعات بأن تدعم السعودية، في الاجتماع المقرر في الـ22 والـ23 من حزيران/ يونيو الحالي، زيادة إنتاج الخام. هذا التوجه كانت السعودية بدأته منذ أيار/ مايو الماضي، مع رفعها إنتاجها من النفط إلى ما يزيد قليلاً على عشرة ملايين برميل يومياً، من دون أن تخرج من نطاق الحدود المستهدفة في اتفاق خفض الإنتاج المبرم في كانون الثاني/ يناير 2017. وبالنظر إلى تحمّسها اليوم لتعويض أي نقص في الإمدادات قد ينجم عن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، من المرجّح أن تدفع الرياض بقوة نحو التخلص من القيود المفروضة على الإنتاج. وهو ما كانت طهران قد أعلنت معارضتها له، محذّرة على لسان محافظ إيران في «أوبك»، حسين كاظم بور أردبيلي، من أنه في حال تحرُّك المنظمة ضد إيران وفنزويلا، العضوين المؤسسين فيها، فإن سعر النفط قد يلامس 140 دولاراً.تحذير يؤيده، كذلك، خبراء نفطيون، بتنبيههم إلى أنه في حال قيام السعودية والإمارات والكويت وروسيا برفع إنتاجها بمقدار مليون برميل يومياً، فإنها بهذا ستسبب تقليص الحد الأدنى من الطاقة الفائضة (الإنتاج الزائد الذي يمكن الدول النفطية أن تبدأ ضخّه خلال وقت قصير بما يجنّب الأسواق العالمية تبعات أي كارثة طبيعية أو صراع) إلى «مستويات تاريخية غير مريحة في ضوء المخاطر العالية والمتنامية لحدوث اضطرابات جيوسياسية»، على حد تعبير روبرت مكنالي من مجموعة «رابيدان إنرجي للاستشارات». ويوضح هؤلاء الخبراء أن الهدف الرئيس من اتفاق 2017 كان تقليص المخزونات العالمية الضخمة بهدف دعم أسعار النفط، إلا أنه اليوم «لم يعد لدينا مخزون احتياطي أو طاقة إنتاج فائضة كبيرة» (وهو ما أكده تقرير «أوبك» الصادر أمس، والذي أفاد بأن مخزونات دول المنظمة ومعها روسيا انخفضت في نيسان/ أبريل الماضي إلى ما يقلّ عن 26 مليون برميل، بعدما بلغت 340 مليون برميل فوق المتوسط في كانون الثاني/ يناير 2017)، وبالتالي إن «أي أحداث جيوسياسية يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع في الأسعار»، وفق ما يقول الرئيس التنفيذي لشركة «إيني» الإيطالية، كلاوديو ديسكالزي.
هذه المخاوف لا تقتصر على إيران وفنزويلا والخبراء النفطيين، بل تشمل كذلك أعضاءً آخرين في «أوبك» من بينهم العراق، الذي شدّد أول من أمس على ضرورة التزام المنتجين اتفاق 2017، بهدف «زيادة الدعم والاستقرار، والوصول إلى أسعار منصفة وواقعية». ورأى وزير النفط العراقي، جبار اللعيبي، في بيان، أن «المنتجين من داخل منظمة أوبك وخارجها لم يصلوا بعد للأهداف المخطط لها... أسعارالنفط ما زالت دون مستوى الطموح»، متهماً دولاً منتجة للنفط بتجاوز حصتها التي حدّدتها لها منظمة «أوبك». وعلى الرغم من الحدة التي اتسمت بها تلك التصريحات، إلا أن اللعيبي عاد ليقول: «(إننا) نحترم قرارات أوبك»، مشدداً في الوقت نفسه على أن «القضية الرئيسة التي يتعين اتخاذ قرار بشأنها (في فيينا) تتعلق باستقرار السوق»، مضيفاً أن بلاده «ستجتمع مع الإيرانيين والسعوديين لمناقشة ذلك».