في الشكل، تتّسم زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخاطفة إلى موسكو بطابع رمزي خاص، فهي تأتي للمشاركة في احتفال النصر على ألمانيا النازية في الساحة الحمراء، وبأنه سيكون الزعيم الأول الذي يلتقي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد تنصيبه رئيساً لولاية رابعة.في المضمون، تميّزت الزيارة عن العديد من مثيلاتها بكونها تأتي في ظروف سياسية وأمنية استثنائية، وتحديداً في ضوء ارتفاع درجة التوتر على الساحة السورية، وبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. في المقابل، تحتاج تل أبيب إلى مواصلة المشاورات والتنسيق مع موسكو، كونها على صلة مباشرة بالساحتين السورية والإيرانية، وهو ما أوضحه نتنياهو قبل مغادرته مطار بن غوريون بالقول إنه «في ضوء ما يجري في سوريا في هذه اللحظات هناك حاجة إلى ضمان استمرار التنسيق الأمني بين الجيش الروسي وبين الجيش الإسرائيلي». وهو ما ينطوي على إدراك وتسليم بالدور الحاسم للجيش الروسي الذي بات جزءاً لا يتجزأ من القوى الإقليمية المحاذية للكيان الإسرائيلي. وفي ضوء حالة التوثب التي تتعمد تل أبيب تظهيرها، في محاولة لردع الحرس الثوري عن الرد على الاعتداء الذي تعرض له في مطار «تي فور»، وارتفاع لهجة التهديدات الإسرائيلية المقرونة بالاعتداءات الموضعية، تحتاج إسرائيل إلى مزيد من التنسيق مع الجيش الروسي، ومحاولة انتزاع تفهّم للخيارات الإسرائيلية العدوانية في الساحة السورية، والتي تضعها تحت عنوان «منع التمركز الإيراني في سوريا». في السياق نفسه، تدرك تل أبيب العراقيل والتحديات التي يمكن أن تتسبب بها موسكو، حتى من دون الاحتكاك المباشر بينهما، عبر تزويد ودعم الطرفين الروسي والإيراني بالعديد من الأسلحة المتطورة. وأحد أبرز القضايا المطروحة في المرحلة الحالية، تزويد الجيش السوري ببطاريات صواريخ أرض ـ جو متطورة، من طراز «أس 300»، التي تتخوف تل أبيب من تأثيرها في حركة سلاح الجو الإسرائيلي. ولن يوفر نتنياهو جهداً لثني الرئيس الروسي عن قرار تسليم هذه المنظومات إلى دمشق، خصوصاً أن المرحلة الحالية والمقبلة تنطوي على احتمالات بحصول صدام عسكري مباشر في ضوء توسيع العدو سياسته العدوانية في الساحة السورية. لكن نتنياهو قدّم أمام بوتين صورة عن الواقع باعتبار أن إيران تحاول «مهاجمتنا في الأراضي السورية» وأن من حق إسرائيل اتخاذ كل الخطوات من أجل الدفاع عن نفسها. وأكد نتنياهو بالمناسبة أهمية اللقاءات التي يعقدها مع الرئيس الروسي التي تظهر جدواها في اختبار الواقع.
ارتفاع لهجة التهديدات الإسرائيلية المقرونة بالاعتداءات الموضعية


أتى اللقاء، أيضاً، مباشرة بعد إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي أكد نتنياهو بأنه تم بحثه خلال اللقاء مع الرئيس بوتين، إضافة إلى التطورات التي تشهدها المنطقة الشمالية لإسرائيل. وتدرك تل أبيب أنّ أي عقوبات اقتصادية سيتم فرضها على إيران لن تحقق ثمارها المأمولة من دون إجماع دولي عليها، من ضمنهم روسيا التي يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في هذا المسار، أضف إلى أن لموقفها تأثيراته الجدية في مقابل أي خطوات أميركية لاحقة مفترضة ضد إيران. ومع أن تل أبيب رحّبت بإعلان ترامب وتعمل على الترويج له، إلا أن هذا المسار حضر بقوة في مقاربة العديد من المعلقين والخبراء الإسرائيليين لجهة ما ينطوي عليها من احتمالات الانزلاق نحو رفع مستوى التوتر الإقليمي. وهو ما دفعهم للإعراب عن تخوفهم من أن تؤدي دينامية التطورات إلى تصعيد واسع في المنطقة. واستند هؤلاء المراقبون في مقاربتهم إلى أن ترامب لم يقدّم بديلاً عن الاتفاق الذي انسحب منه، ولم يبلور خطوات محددة حول الخيار الذي ستنتهجه الولايات المتحدة في مواجهة خطوات إيرانية مضادة، خصوصاً أن فشل محاولة إعادة فرض عقوبات دولية على إيران، سيحشر تل أبيب وواشنطن أمام خيارات بديلة، وتحديداً بعدما تبادر إيران إلى الرد عبر إعادة تخصيب اليورانيوم. وتحاول تل أبيب أن تكون واقعية في مقاربة موقف موسكو التي لها دورها ومصالحها. وضمن هذا الإطار، يأتي تعبير نتنياهو عن تقديره للفرصة التي توافرت له من خلال اللقاء، من أجل «بحث مشكلات المنطقة، ومحاولات حل الأزمات، وإزالة التهديدات في شكل حكيم ومسؤول».