«سنرد، دون أدنى شك. لا أحد يريد تحمل مثل هذه الوقاحة، ونحن بكل تأكيد لا نريد»، أعلن وزير الخارجية الروسي سرغي لافرورف، أمس، بشأن طرد دبلوماسيين روس من نحو 20 دولة، على خلفية محاولة اغتيال العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا قبل ثلاثة أسابيع. لافروف اعتبر أيضاً أنّ قرار عدد من الدول الغربية بشأن الطرد «جاء نتيجة عملية ابتزاز وضغوط هائلة مارستها الولايات المتحدة (وليس بريطانيا) على حلفائها»، مؤكداً أن «الابتزاز يُعتبر الآن الأداة الرئيسة لواشنطن في الساحة الدولية، سواء أكان هذا الوضع متعلقاً بقضية سكريبال، أم بالنسبة إلى المشكلة الفلسطينية عندما يقول الأميركيون مباشرة للفلسطينيين: إننا لن نمنحكم المال حتى توافقوا على تلك الفكرة التي لم نضعها بعد».لافروف الذي تأتي تصريحاته بعد ساعات قليلة من إعلان 16 دولة في الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الولايات المتحدة وكندا والنرويج وأوكرانيا، طرد دبلوماسيين، قال أيضاً: «عندما يهمسون لنا ويطلبون منا مغادرة هذا البلد أو ذاك، فنحن نعرف على وجه اليقين أن ذلك نتيجة للضغوط الهائلة والابتزاز». وجدير بالذكر أنّ «حلف شمال الأطلسي» انضم أمس إلى قافلة الدول التي أعلنت طرد دبلوماسيين روس، إذ أعلن أمينه العام، ينس ستولتنبيرغ، أنّه «سيتم طرد 7 أعضاء من البعثة الروسية (لديه) ويلغي اعتماد 3 آخرين»، ما سيخفض عدد البعثة الدبلوماسية الروسية إلى عشرين شخصاً.
الإعلام الروسي لم تكن لغته بعيدة عن لغة لافروف، لناحية التوجّه مباشرة لانتقاد واشنطن وليس بريطانيا. وفي هذا الصدد، رأت الصحف الروسية الصادرة أمس، أنّ طرد دبلوماسيين روس بشكل منسّق، يُغرِقُ العلاقات بين موسكو والغرب في «حقبة جديدة من الحرب الباردة». وكتب المحلل فيودور لوكيانوف في صحيفة «فيدوموستي» أنّ «العلاقة بين روسيا والغرب تدخل مرحلة حرب باردة بشكل تام»، معتبراً أنّ عمليات الطرد «سيكون لها أثر مدمر، تحديداً على العلاقات الروسية الأميركية». وأضاف أنّ ما جرى لا يُمثِّلُ «نهاية التصعيد، إذ من الواضح أنّ الأمر سيتفاقم، ونتوقع تدابير أقسى ممّا اتُّخذ سابقاً، وعقوبات اقتصادية».
صحيفة «إزفستيا» اختارت من جهتها عنوان: «تعبئة حاشدة معادية لروسيا»، فيما أشارت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» إلى أنه «لم تحدث أبداً في السابق حركة طرد منسّقة» لدبلوماسيين. أمّا قناة «ان تي في»، فرأت أنّ «الامر السيّئ في كل هذا، هو هذا الإحساس بأنّ الأمر غير عقلاني»، متّهمةً «النخبة الأميركية» بأنّها السبب.
ولعلّ الرد الروسي الأقوى جاء من قلب واشنطن أمس، إذ رأى سفير روسيا في الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف أنّه «بكل بساطة، خصومنا لا يحبّذون رؤية روسيا القوية». وقال إنّ التبريرات الأميركية التي تمّ على أساسها إغلاق القنصلية الروسية في مدينة سياتل، تكشف أن «قضية سكريبال» مجرد ذريعة لطرد الدبلوماسيين الروس، مضيفاً أنّ «الإدارة الأميركية أكدت بكل صراحة أن إغلاق القنصلية العامة لروسيا جاء بسبب قربها من قاعدة الغواصات ومصنع حربي لشركة بوينغ». وأشار في سياق تصريحه إلى أنّ «عدم وجود أي حقائق تؤكد اتهامات واشنطن ولندن لنا، لا يمكن إلا أن يثير الشكوك حول التنسيق الوثيق والتخطيط المشترك لما حدث».
على صعيد الصحف الغربية، فإنّ غالبيتها رحّبت بعمليات طرد البدلوماسيين، تحت عناوين أنّ «الغرب يدير ظهره لروسيا»، أو «الخطوة الحازمة». في هذا الصدد، كتبت «ذي غارديان» البريطانية أنّ «لندن وحلفاءها يشددون الإجراءات ضد موسكو»، مضيفة أنّه «إذا كان هدف الروس تقسيم وتخويف الغرب، فإن أفعالهم قد انقلبت ضدهم». «لوفيغارو» الفرنسية ذكّرت بأنّ «هذه الخطوة المنسّقة أتت بعد القمة الأوروبية التي انعقدت في بروكسل الخميس الماضي... وأنّ القرار اتُّخذ في الاجتماع الثلاثي بين ماي وميركل وماكرون». أما «نيويورك تايمز» الأميركية، فكانت قد نقلت عن «4 مسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى»، أن «ميركل وماكرون كانا في طليعة مؤيدي دعوة ماي إلى اتخاذ إجراءات ضد موسكو»، وأن القادة الثلاثة «اتفقوا على الخطوات المقبلة قبل إقامة مأدبة العشاء بمشاركة قادة دول الاتحاد الأوروبي في 22 آذار الجاري». وواصلت الصحيفة: «اقترح ماكرون على جميع المشاركين في القمة الإعلان عن الطرد الجماعي للدبلوماسيين الروس الإثنين 26 آذار».
أما عن تبعات طرد الدبلوماسيين الروس على العلاقات الروسية ـــ الأوروبية، فقد أشادت «نيويورك تايمز» بما سمّته «العمل الصارم ضد روسيا»، وأن «هناك حاجة إلى المزيد»، فيما قالت صحيفة «ذي تايمز» إن «طردهم سيشلّ عمليات تجميع المعلومات الاستخبارية الروسية في معظم بلدان أوروبا والغرب»، مضيفة أن «بوتين، سيستغل هذه الأزمة لمصلحته لأجل تعزيز خطابه القومي والتأكيد على أن الغرب معادٍ لروسيا».
وحول تفاصيل «قضية سكريبال» الجديدة، يقول أحد التسريبات الأخيرة، الذي كشفت عنه صحيفة «تلغراف» إن المادة وضعت في «حقيبة تابعة لابنة سكريبال، يوليا، إما في موسكو التي وصلت منها إلى لندن قبل يوم واحد من التسميم، أو أنه تم دسّها في الحقيبة عند وصولها إلى سالزبوري»، فيما تقول صحيفة «ذا صنّ» إن «سكريبال وابنته ربما أجريا لقاءً سرياً يوم تسمّمهما، إذ إن أجهزة نظام تحديد المواقع في هاتفيهما لم تعمل خلال 4 ساعات».


منظمة «حظر الكيميائي»: بريطانيا أولاً

أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أمس، نيتها إطلاع روسيا على نتائج تحليل المادة التي تسمّم بها العقيد السابق في الاستخبارات الروسية سيرغي سكريبال وابنته يوليا، لكن بعد إبلاغ بريطانيا بها. وقال المدير العام للمنظمة، أحمد أوزومجو، في مؤتمر صحافي عقده أمس: «تمّ جمع العينات ويجري حالياً تحليلها في عدة مختبرات، وبعد انتهاء التحقيق، في غضون أسبوعين أو 3 أسابيع، سنكشف عن نتائجه، وفي البداية سنطلع عليه بريطانيا». وفي ردّه على سؤال حول ما إذا كانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ستقدم نتائج التحليل لروسيا، قال أوزومجو: «نعم، سوف نرى ماذا سيحدث لاحقاً».
يذكر أن سيرغي سكريبال، العقيد السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية، الذي أدين في روسيا بتهمة الخيانة العظمى، وابنته يوليا، تعرّضا يوم 4 مارس، وفقاً للجانب البريطاني، لتأثير مادة مشلة للأعصاب. وفتحت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، يوم 21 آذار الجاري، تحقيقاً في القضية، وبدأت بتحليل المادة التي تسمّم بها سكريبال وابنته.


ملاحقة الصين حاضرة أيضاً
عقب اتخاذ القرارات الأخيرة الخاصة بروسيا، عاد الاهتمام في واشنطن بكيفية مواجهة «الممارسات التجارية الصينية». وفي هذا الصدد، بحث الرئيس الاميركي دونالد ترامب، أمس، مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في كيفية «توحيد قواهما للتصدي للممارسات الاقتصادية غير القانونية للصين ولسرقة الملكية الفكرية»، وفق بيان البيت الأبيض. وفي مباحثات هاتفية منفصلة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بحث ترامب أيضاً «المراحل المقبلة في مواجهة الممارسات غير الشرعية للصين»، إضافة إلى المبادلات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. جدير بالذكر أنّ هذا الاعلان يأتي في وقت يجري فيه الاتحاد الاوروبي مباحثات مع الولايات المتحدة للحصول على إعفاء دائم من الرسوم الاميركية على واردات الصلب (25 بالمئة) والألمنيوم (10 بالمئة).