في 13 مارس 1954 بدأت معركة ديان بيان فو، التي مثلت نقطة تحول حاسمة في حرب الهند ــ الصينية وأدت إلى الهزيمة العسكرية للقوات الاستعمارية الفرنسية في فيتنام. ومع أنّ المعركة ارتبطت في الذاكرة الجماعية لشعوب الجنوب بانتصار حركة تحرر وطني على جيش متفوق تقنياً اضطر إلى اتخاذ موقف دفاعي داخل قاعدة عسكرية متينة وخوض معركة يائسة، تبقى أهمية النتيجة الاستراتيجية لهذه الحملة العسكرية على الولايات المتحدة التي حاربت إلى جانب فرنسا غير معروفة تماماً.تُوضّح الإمكانات العسكرية التي وضعتها واشنطن في تصرف فرنسا للحفاظ على قاعدة ديان بيان فو والخلافات التي عصفت بالمؤسسة العسكرية والسياسية الأميركية، التحوّل العميق في الفهم الأميركيّ للمسألة الاستعماريّة. فبعد مضي ثلاثة عشر عاماً على ميثاق الأطلسي (1941) الذي حدد أسس السياسة الأمنية المشتركة بين الحلفاء بعد الهزيمة الألمانية وفنّد سياسة الاستعمار، كانت الولايات المتحدة ترى في تغير توازن القوى العالمي وصعود الكتلة الصينية السوفياتية، التهديد الرئيسي لأمنها العسكري والاقتصادي. وبحلول نهاية الأربعينيات، دقّت وكالة الاستخبارات المركزية ناقوس الخطر بشأن مخاطر تَزعزع الإمبراطوريات الاستعمارية وإضعافها مقابل توسع النفوذ الشيوعي الذي من شأنه أن يحرم الأميركيين من النفاذ إلى قواعد وموارد المناطق المتأرجحة بينها وبين معسكر «العدو».
هذا التصوّر للمصالح الأميركية، استند إلى حد كبير، إلى نظرية نيكولاس سبايكمان الجيوسياسية والتي تعتبر السيطرة على أوراسيا أساس الهيمنة على العالم (من يسيطر على نطاق الحافّة ــ الهلال الداخلي ــ يسيطر على أوراسيا، ومن يسيطر على أوراسيا يسيطر على العالم). وهكذا، شهدت عشية معركة ديان بيان فو إعادة تقييم للاستراتيجية الأميركية ضمن سياق دولي مغاير تماماً.
خسرت المملكة المتحدة مناطق نفوذها في الهند وانخرطت في حرب على الجبهة الماليزية، وقدمت الصين التي فازت فيها الشيوعية دعماً متزايداً للحركات الثورية، وانتهت الحرب الكورية بمكسب استراتيجي محدود بعد ثلاث سنوات من القصف المكثف والقتال الشرس، ومثّل كلّ ذلك عوامل لتزايد التهديد الصيني السوفياتي. منذ ذلك الحين، أدت الواقعية الأميركية التي صاغتها هذه الاعتبارات الاستراتيجية الأساسية إلى التزام قوي إلى جانب فرنسا في حرب مثلت آنذاك آخر اندفاعة لقوة استعمارية على مسار التراجع الحتميّ. وفي مواجهة الصين، التي دعمت الثوريين في فيتنام، خصصت الولايات المتحدة إمكانات عسكرية هائلة للدفاع عن المواقع الفرنسية، حتى أنها أمنت تغطية شاملة لتكلفة الحرب.
على الأرض، فإن استعادة ديان بيان فو من أيدي اتحاد استقلال فيتنام (فيت مين) من أجل جعلها قاعدة بر ــ جوية تستخدم في منع حركة قوات فيت مين وضمان أمن المنطقة، تطلبت إنشاء جسر جوي ضخم يمتد إلى مئات الكيلومترات. لكن وبحسب تحليل أستاذ القانون والعلوم السياسية، وأستاذ الأبحاث في مؤسسة البحث الاستراتيجي (FRS) جان فرانسوا داجوزان، حول السير التكتيكيّ للمعركة، فإن الجهاز الجوي للتموين «لم يتِح تزويد المعاقل بالمواد الثقيلة (الاسمنت، على وجه الخصوص)، كما أنه لم يكن بالمقدور الحفاظ عليه بينما كان المخيّم يفقد مهبط طائراته والأسلحة المضادة للطيران تصبح أكثر فعالية رغم شجاعة الطيارين. لن ينتهي أمر ديان بيان فو بالقتال، بقدر ما سينتهي بتأنيب الضمير».
إلا أن الجسر الجوي ديان بيان فو كان قد لجأ منذ عام 1953 إلى خدمات شركة النقل الجوي المدني، وهي «شركة ــ واجهة» تتبع وكالة الاستخبارات المركزية، وتملك اليوم سمعة سيئة بسبب ارتباطها بتهريب المخدرات في لاوس. ويذكر المؤرخ الفرنسي المتخصص بفيتنام بيير جورنود في مقاله «شركة النقل الجوي المدني في حروب الهند ــ الصينية، أو دور شركة طيران خاصة مملوكة سرا من قبل وكالة الاستخبارات المركزية (1950-1975)» أنه «في الإجمال، نفّذ طيارو شركة النقل الجوي المدني أكثر من 680 مهمة هبوط بالمظلات فوق وادي ديان بيان فو بين 13 آذار و6 أيار 1954».
ووفقاً لجورنود، فإنه في غياب الدعم العسكري متعدّد الأوجه الذي قدمه الرئيس الأميركي آنذاك أيزنهاور لقوات الاتحاد الفرنسي في ديان بيان فو، كانت هذه القوات ستهزم قبل 7 أيار. لكن وإن لم يعد تفكيك الحلف الاستعماري على جدول أعمال واشنطن، وتحول بقاء معسكر ديان بيان إلى أمر أساسي لدرجة دعم العمليات العسكرية الفرنسية، بقي خيار التدخل العسكري المباشر إلى جانب فرنسا معتمداً على متغيرات توازنات القوى داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الأميركية.
في هذا السياق، كان هناك رأيان في ما يتعلق بدرجة تدخل الولايات المتحدة والموارد التي يجب تحريكها لضمان أفضل الظروف لنجاح العملية الفرنسية. الرأي المتشدد الذي تبناه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال آرثر رادفورد، طالب بقصف أميركي كثيف من خلال استخدام حاملات الطائرات الموجودة في أسطول المحيط الهادئ، كما أيد التدخل المباشر لمواجهة خطر توغل الطيران الصيني وتصعيد الصراع. لكن كان على مؤيدي هذا الرأي مواجهة نهج أكثر حذراً قاده وزير الخارجية جون فوستر دالاس والذي تبناه لاحقاً أيزنهاور، الذي وبالرغم من رغبته باستمرار الحرب حتى تحقيق فرنسا النصر النهائي، إلا أنه رفض أن تدفع الولايات المتحدة وحدها التكلفة السياسية والدبلوماسية للتدخل المباشر. 
وفي مواجهة المخاوف من استسلام فرنسي في ديان بيان فو، دعا أنصار خط دالاس إلى اتخاذ إجراءات متضافرة وإنشاء تحالف للدفاع عن جنوب شرق آسيا يضم المملكة المتحدة، أستراليا، نيوزيلندا، الدول المنتسبة، الفيليبين، وتايلاند. وعلى الرغم من الضغوط الفرنسية الأميركية المزدوجة، رفضت بريطانيا الانضمام إلى التحرك الموحد لإنقاذ مناطق القوة الاستعمارية المتنافسة، خصوصاً أن قواتها المسلحة أغلقت الحدود بين ماليزيا وتايلاند لقمع غارات المقاتلين. 
بعد فشل الرأي المتعلق بالتحرك الموحد وتضافر الجهود، وجدت فرنسا نفسها وحيدة تراهن على جيش منهار نفسياً ويلفظ أنفاسه الأخيرة منذ عدة أشهر. وقوبل إصرار فرنسا على تدخل عسكري مباشر للولايات المتحدة التي عدلت نهجها تدريجياً من أجل تشكيل جبهة استراتيجية واسعة لمواجهة التهديدات الشيوعية، برفض السياسيين الأميركيين الذين اعتبروا أن كلفة الحرب الشاملة مع الصين، في ظلّ غياب أي اتفاق سياسي رسمي مع فرنسا يضمن مصالحهم، أعلى بكثير من فوائد المحافظة على الاستعمار الفرنسي. في ديان بيان فو، دمر الفيت مين أسطورة الجيش الاستعماري الفرنسي الذي لا يقهر، التي حافظ عليها منذ القرن التاسع عشر، ولقد مثلت تلك المعركة أول حدث كبير يضع الاستعمار الفرنسي على سلم الانحدار.